المجالس والجلساء
المجلس والديوان والنادي والمنتدى أماكن اجتماع القوم ومتحدثهم فالإنسان أكثر
حاجة للاجتماع من جميع المخلوقات، لأن من المخلوقات ما يستقل بنفسه عن جنسه،
والإنسان مطبوع على الافتقار إلى جنسه، واستعانته به صفة لازمة لطبعه، والله خلق
الخلق بتدبيره وفطرهم بتقديره، خلقهم محتاجين، وفطرهم عاجزين، وجعل لنيل حاجة
الإنسان أسباباً، فهو مدني بطبيعته، والدنيا لم تكن قط لجميع أهلها مسعدة، ولا عن
ذويها كافة معرضة، لأن إعراضها عن جميعهم عطب، وإسعادها لكافتهم فساد، لائتلافهم
بالاختلاف والتباين، واتفاقهم بالمساعدة والتعاون، فإذا تساوى جميعهم لم يسلك أحدهم
إلى الاستعانة بغيره سبيلاً
وفي هذه المجالس تراعى المصالح من تعاهد بعضهم بعضاً، ومذاكرتهم في أمور الدين
ومصالح الدنيا وترويح النفوس بالمحادثة في المباح ودلهم على ما يزيل المفسدة من
الأمور المذكورة، ولكل من هذه الآداب والمصالح وترك المفاسد شواهد من الشريعة، لئلا
يضعف الجالس عن أداء الحق الذي عليه، ويسلم من التعرض للفتنة، وذلك بكف الأذى، وحتى
يسلم من الاحتقار والغيبة والنميمة ونحوها، واستعمال جميع ما يشرع من الآداب
الشرعية والعرفية، وترك جميع ما لا يشرع من مساوئ الأخلاق، وسد الذرائع لطلب
السلامة، والتخلق بكل خلق كريم، وترك طاعة كل هماز مشاءٍ بنميم، ومن خير المجالس
المؤاخاة بالمودة، لأنها تكسب بصادق الميل إخلاصاً ومصافاة، وتحدث بخلوص المصافاة
وفاء ومحاماة، لذلك آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه لتزيد ألفتهم
ويقوى تضافرهم وتناصرهم، وقيل: الجلساء ثلاث طبقات، طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه،
وطبقة كالدواء يحتاج إليه أحياناً، وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبداً، وإياك من
صحبة ومجالسة الأشرار والثقلاء والسفهاء، فإنها تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خير
الاختيار صحبة الأخيار، ومن شر الاختيار صحبة الأشرار، فمجالسة الثقيل حُمّى الروح
ومجالسة السفيه سفاه رأي
ومِن عَقْلٍٍ مجالسة الحكيم
فإنك والقرين معاً سواء
كما قُدَّ الأديم من الأديم
«فالمجالس بالأمانة وهي عن الخيانة مصانة»
بقلم الكاتب: فيصل يوسف العلي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire