لقد أصبحت لفظة >إسلاموفبيا< مصطلحا جامعاً ودالا على عمليات التشويه والتمييع
لصورة الإسلام انطلاقا من مرض الخوف منه، إنه المصطلح الأكثر تعبيراً عن عقدة الخوف
والهلع من انتشار الإسلام ونفوذ قوته الدينية والثقافية والبشرية داخل المجتمعات
والدول الغربية، وترد كلمة >الفوبيا< Phobia في القواميس النفسية بمعنى الخوف
المرضي والخوف والرهبة والرهاب، إنها تدل تحديدا على القلق العصبي أو العصاب
النفسي الذي لا يخضع للعقل ويساور المرء بصورة جامحة من حيث كونه رهبة في النفس
شاذة عن المألوف يصعب التحكم فيها وتدل اللفظة أيضا على خوف لا شعوري من أشياء
أو أشخاص أو مواقف ليس له في الشعور ما يبرره أو يفسره
وفي الاصطلاح العام تدل لفظة >إسلاموفوبيا< على ما تم ترسيبه وتكريسه وإشاعته من قلق مرضي وخوف نفسي لا شعوري لدى الغرب من الإسلام وكل ما يتصل به، وينتعش هذا المصطلح بصورة أكبر عندما يحتد العداء الغربي للإسلام ويظهر من خلال القيام بحملات تشويهية لصورة الإسلام خاصة من خلال الإعلام الغربي كما حدث في الصحافة الدنماركية وغيرها من الصحف الأوروبية عندما تم نشر صور كاريكاتورية مشية ومسيئة لشخص رسول الله
كيف يتم التعبير عن الإسلاموفبيا
لم يكن صعبا على الغرب في فترة من الفترات العمل على إشاعة الخوف من الإسلام وإحداث نوع من الاقتناع لدى الإنسان الغربي بأن الإسلام دين مخيف وعدو جديد وخطر محدق بالحضارة الغربية، ومنذ قرون من الزمن تمكَّن الغربيون من كنسيين ورهبان ومستشرقين واستعماريين من إيجاد صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين تجرد الإسلام من كامل خصائصه وملامح حضارته الإنسانية وذلك ضمن ملامح جديدة محددة وثابتة تعبر عن صور ذهنية عن الإسلام والمسلمين ترسخ في العقل الغربي، وهذه الصور الذهنية عندما تتكرر على نحو مطرد وعلى وتيرة واحدة وثاتبة لا تتغير تسمى نمطاً، والنمط يطلق على الصورة العقلية التي يشترك في اعتناقها وتقبلها أفراد جماعة محددة، فإذا كان الياباني يوصف بأوصاف قد رسخت في الأذهان مثل كونه إنسانا دقيقا صناعيا ماهراً وذكيا مرحا، فإن هناك من يصف العربي بأنه رجل الصحراء عنيف متخلف حقود شهواني··· الخ
إن مثل هذه الصور الذهنية عندما تتكرر وتترسخ في أذهان الناس تصبح صورا نمطية سائدة ورائجة تهدف إلى تشويه صورة الإسلام، وذلك من خلال تنميط هذه الشخصية أي ربطها بنمط أو نموذج من الصفات والخصائص والملامح والسجايا السلبية التي تثير الاشمئزاز والنفور والكراهية لدى الآخرين لمجرد استحضار واستذكار تلك الصورة الذهنية الكريهة
وقد عبر أحد الصحافيين السويديين عن ذلك عندما قال: >لو أن مئة ألف عربي قتلوا لما
انتابني أي شعور غير عادي، أما بالنسبة لقوات الحلفاء الغربيين فالأمر مختلف لأنني
أشعر بالتعاطف معهم ومع أسرهم، إن العرب يبعثون الخوف في نفسي على أية حال·
Eric horstadins وقد عبر اريك هرستاديوس
Eric horstadins وقد عبر اريك هرستاديوس
عن هذا الشعور كتابة في مجلة سليتز
السويدية بعيد انتهاء حرب الخليج عام 1991 بوقت قصير، وباستثناء صوتين اعترضا عليه،
مر هذا الموقف برغم كل ما ينطوي عليه من عنصرية واضحة دون أي سجال يذكر او حتى
اكتراث، ويرجع ذلك إلى سبب في غاية البساطة هو أن هذا الموقف ليس شاذا عن آراء
ومشاعر الغالبية الساحقة من السويديين
أسباب تفاقم واستمرار الإسلاموفوبيا
يلاحظ أن الغرب دائما -لا النصرانية- هو الذي يوضع موضع التنافس والعداء ضد الإسلام، وذلك لأن مفهوم الغرب يكتسي أهمية دينية وحضارية بالغة، إضافة إلى افتراض كونه - أي الغرب- أكبر من النصرانية التي تجاوز مرحلتها، إن هناك أسباباً عديدة تدفع الغرب لكي يلتجئ إلى سياسة التخويف من الإسلام وجعل ظاهرة >الإسلاموفوبيا< تتفاقم وتتعاظم، نذكر منها
أولا: قدرة الإسلام على الانتشار والامتداد، الغربيون يعترفون مع شيء من الحيرة
والدهشة بأنه فعلاً هناك ما يخيف في الإسلام كدين كاسح له قابلية التنامي والانتشار
بسرعة مذهلة، كما رأوا فيه دينا يحمل في جوهره روحا وثباتا وقدرة خارقة على الامتداد
جغرافيا في شتى بقاع العالم، وهذا ما أثبته بعض الخبراء الاستراتيجيين الغربيين
أنفسهم عندما اعترفوا بأن الإسلام هو أكثر الأديان نموا وأقواها تأثيرا في النفوس
وأوفرها أتباعاً جدداً، يقول جون اسبوزيتو وهو يتحدث عن جذور الصراع بين الإسلام
والغرب: >إن النجاح والتوسع الكبيرين للإسلام كانا بمثابة التحدي للغرب على المستوى
الديني والسياسي والثقافي، وشكل تهديداً للغرب المسيحي، وكل من الإسلام والمسيحية
لديه شعور برسالة (ساكس) Sussax وقد صدر التقرير عن مؤسسة بريطانية تعتبر من أهم
مؤسسات تحليل الواقع العرقي في بريطانيا، يقول كونداي في مقدمة التقرير: إذا كنت
تشك في وجود >الإسلاموفوبيا< في بريطانيا، فإنني أقترح عليك قضاء أسبوع في قراءة
الصحف المحلية والقومية كما فعلت أنا، وستجد أن المقالات التي تشير إلى المسلمين أو
إلى الإسلام فيها تعليقات متحيزة ومعادية وهي في الغالب غير مهذبة، بل في بعض
الأحيان تكون التعليقات وقحة، وحيث يسير الإعلام فإن معظم الناس يسيرون وراءه،
والمسلمون البريطانيون يعانون من التفرقة العنصرية فى أماكن الدارسة والعمل، ومن
أهم ما سجله التقرير أن نزعة العداء للمسلمين قد ميزت التسعينيات من القرن العشرين
في بريطانيا، وضرب مثلا لذلك بقضية سلمان رشدي التي أسالت اللعاب لوسائل الإعلام
البريطانية فاعتبروها فرصة للتحامل والطعن في الإسلام، ولفت التقرير أيضا ألى أن
الدولة تقدم مساعدات إلى المدارس الإنجليكانية والكاثوليكية واليهودية بينما تمتنع
عن تقديمها للمسلمين
من جهة أخرى طالب التقرير الحكومة البريطانية بإجراء تعديل في قانون التمييز يضم
الدين الإسلام إلى العقائد المحصنة ضد الطعن والتحريج، وهو ماكان تطالب به الجاليات
والأقليات المسلمة خصوصا بعدما تفجرت قضية سلمان رشدي
وذكر التقرير أن الاسلاموفوبيا صارت ظاهرة متمكنة من الإدراك العام حتى أصبحت جزءا
من الحياة اليومية بنفس الطريقة التي كان فيها العداء للسامية في بداية القرن
العشرين، وقد دعا التقرير في ختامه إلى ضرورة معالجة مشكلة >الإسلاموفوبيا< قبل أن
تتفاقم، إلا أنه اعترف بأن الأمر ليس سهلا
لقد سار التقرير في جميع فقراته يبرز ويؤكد على الواقع المر الذي تعرفه صورة
الإسلام في المجتمع البريطاني، وعلى درجة عالية من الرصانة والمسؤولية والموضوعية
حرص التقرير على انتقاد ظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمع البريطاني ودور وسائل
الإعلام المختلفة في إذكاء مشاعر الخوف والهلع من الإسلام في صفوف البريطانيين
والأوروبيين على وجه العموم
لماذا يخافون من الإسلام
يأتي الخوف من الإسلام لأن الغرب الذي أفلس روحيا وانتشرت فيه ثقافة السوق ذات النمط الرأسمالي لا يقبل بمواجهة قوة روحية سريعة الامتداد والانتشار، ذلك أن روح الإسلام الوثابة وقدرته الخارقة على اكتساح القلوب التي تقبل على اعتناقه بشكل منقطع النظير، كل ذلك يفزع الغرب ويجعله في خوف دائم ومستمر من بروز الإسلام وشموخه أمامه كأبرز تحد حضاري وديني، لقد قام أحد مراكز البحوث الأميركية بإعداد دراسة مستقبلية تجيب عن سؤال: كيف سيكون شكل العالم بعد أربعة عشر عاماً من الآن؟ وتحديدا عام 2020، وشارك في إعداد خيارات الإجابة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين، وتبنى الدراسة المجلس القومي الأميركي للاستخبارات، وكان هناك أربعة خيارات أطلقوا عليها سيناريوهات المستقبل
1- إمبراطورية إسلامية من المغرب إلى أندونيسيا
2- عالم من الفوضى والإرهاب
3- عالم تسوده العولمة بدون سيطرة أميركية
4- عالم تسوده القيم الأميركية وتحكمه واشنطن
وعندما تلقف الرئيس الأميركي مضمون الدراسة حذر في إحدى خطبه الأسبوعية من
الإمبراطورية الإسلامية المقبلة·
هذه إذن صورة معبرة عن عقدة الخوف من الإسلام التي أصابت الغرب، وهو خوف مفتعل من دون شك لكن أثره قد تسلل عميقا في عملية صنع السياسة الخارجية في الإدارة الجديدة، ولذلك فنحن عندما نتأمل في مرض الخوف من الإسلام وكيف أن كبار الساسة الغربيين أنفسهم مصابون به ويسعون جاهدين إلى إقناع شعوبهم بخطر الإسلام وشبحه، فإنه ليس من المستبعد أن يورط هذا المرض واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية في حرب باردة ثانية تتم من خلالها مواجهة الخطر الأخضر المزعوم بدل الخطر الأحمر البائد
بقلم الكاتب: د· حسن عزوزيهذه إذن صورة معبرة عن عقدة الخوف من الإسلام التي أصابت الغرب، وهو خوف مفتعل من دون شك لكن أثره قد تسلل عميقا في عملية صنع السياسة الخارجية في الإدارة الجديدة، ولذلك فنحن عندما نتأمل في مرض الخوف من الإسلام وكيف أن كبار الساسة الغربيين أنفسهم مصابون به ويسعون جاهدين إلى إقناع شعوبهم بخطر الإسلام وشبحه، فإنه ليس من المستبعد أن يورط هذا المرض واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية في حرب باردة ثانية تتم من خلالها مواجهة الخطر الأخضر المزعوم بدل الخطر الأحمر البائد
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire