mardi 8 janvier 2013

الأمن الثقافي

الأمن الثقافي


يعرف «أدمون هريو» الثقافة بأنها «الشيء الذي يتبقى بعد أن ننسى كل شيء»، والأمن الثقافي من المفاهيم التي نشأت في بداية السبعينيات في منطقتنا العربية، وهذا المفهوم في عمقه يؤكد على وجود حاجة إستراتيجية لتوفير قدر من الأمن أمام حالة الانكشاف الثقافي للخارج، وأمام رغبة الآخر في التدجين والاستئصال الثقافي أو القيام بعملية تمييع مفاهيمي وذاتي وثقافي للعرب والمسلمين، وبالتالي تصبح الحاجة ملحة إلى تحقيق قدر من الأمن الثقافي يحمي الثقافة ومقومات الهوية ومكونات الذات الحضارية، بل نمط الحياة الذي يعبر عن الثقافة، لأن غياب قدر معتبر من التحصن الثقافي يجعل الذات ينتقل مركزها إلى الآخر، وهو ما يقود تدريجيا إلى حالة من الاستتباع واللحاق الثقافي بالآخر، ويجعل الذات أو بالأحرى بقايا الذات تتحول إلى آخر، فتجد قدرا من التنصل من التراث والماضي، واعتبار الاستناد إلى التاريخ في مسيرة الحياة والتفاعل مع المستقبل وصناعته نوعا من نبش القبور ومحاولة بائسة لإحياء الموتى، وفي المقابل فالأمن الثقافي لا يعني بحال من الأحوال الانغلاق على الذات وعدم رؤية الآخرين والتحوصل داخل مقولات الهوية الدفاعية، والإحساس الدائم بوجود مؤامرة، واعتبار أن العلاقة مع الآخر هي علاقة صراعية، ومباراة صفرية أي خسارة فيها تعني أنها مكسب للآخر
فالأمن الثقافي يجب أن يدرك على أنه حالة طبيعية تتسم بنوع من العقلانية والرشاد، وأن دائرته التي يتحرك فيها هي دائرة الوجود والوعي والتفاعل البناء والخلاق مع الآخر، وبالتالي فالأمن الثقافي يحتاج إلى رؤية وحركة سياسية تفعّل وجوده وحضوره في المجال العام، لكن الجرعة السياسية من الضروري ألا تفرض بطريقة حمائية ووصائية تفقد الثقافة قدرتها على التفاعل والتواصل
والتلاقح، بل المواجهة أيضا


ولاشك أن كل ثقافة تخلق أدوات أمنها وحمايتها في كل المستويات، كما أن التطور الذي يحدث في الثقافة يتأثر بعوامل عدة، منها طبيعة الثقافة وما تتسم به من درجة انفتاح وتحصن ومناعة ذاتية أمام محاولات الاستلاب، ومدى قشريتها أو تعمقها في نفوس أبنائها، ومدى تجسدها في سلوكيات يومية وفي فلكلور وفن وعمارة...الخ، كذلك الجماعة أو الطبقة أو السلطة التي تحمل تلك الثقافة، وفي التجربة الإسلامية فإن الأمة بمجموعها مطالبة بأن تكون حاملة لثقافتها ومجسدة لها، وهو ما يمنحها قدرا هائلا من الإمكانات في الحفاظ على ثقافتها بحالة من الخصوصية المنفتحة، بخلاف ثقافات أخرى كان من يحملها طبقة من رجال الدين أو ذوي الثروات أو طبقة حزبية، يضاف إلى ذلك سرعة استقبال الجماهير، فكلما استقبلت الجماهير الثقافة بسرعة وتمثلت تعاليمها كان ذلك أدعى لتوفير بيئة حمائية للثقافة تغنيها عن أي أدوات سياسية وسلطوية أو عنفية
وهنا يجب التأكيد على أن مشاريع التنمية تحتاج دائما إلى قدر من الأمن الثقافي، فاستنفاد الموارد الطبيعية بطريقة عبثية وفي مظاهر ومنتجات استهلاكية يكشف عن غياب ثقافة ترغب في تحقيق تنمية مستدامة، ولذا نجد في تلك المجتمعات من يغذي الثقافة الاستهلاكية ويشجعها ويغير معيار التقدم من القدرة على الإنتاج ومواكبة العصر لتصبح إنسانيتك بقدر ما تستهلك ونوعية ما تستهلك، وهو ما يخلق حالة من الانفصال بين الثروة والقيمة، ويجعل القيم تتحرك في إطار من المادية الاستهلاكية

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire