mercredi 26 décembre 2012

تغيير المنكر بين مسؤولية الفرد وسلطة الدولة

تغيير المنكر بين مسؤولية الفرد وسلطة الدولة

هاجر حسونة - محمد سعد – القاهرة: دار الإعلام العربية

من البديهي أنَّ تغيير المنكر من الأصول الإسلامية التي جاءت لدرء المفاسد، لكن إذا تيقن المسلم أو غلب على ظنه الراشد أن تغييره للمنكر سوف يترتب عليه وقوع منكر أعمّ، فإن جمهور أهل العلم يذهبون إلى ترك تغييره إلى الأدنى دفعًا لوقوع ما هو فوقه.. المنكر هو كل ما يأتي به الإنسان من قول أو فعل مخالف للشرع.. فهل أصبح تغيير المنكر فريضة غائبة حاليًا، وما درجات تغييره في هذا العصر؟ وما ضوابطه في الأسرة والمجتمع؟ وهل التغيير بالقوة من صلاحيات الفرد أم سلطة الدولة؟ وماذا إذا تخلت الدولة عن دورها في تغيير المنكر؟   
في البداية أوضح د.محمد المنسي –أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة- أن المعروف كل ما أمر به الشرع، والمنكر هو كل ما نهى عنه الشرع، وقد ذكره الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  في حديثه: «من رأى منكم منكرًا فلغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»، وهناك بعض العلماء فسروا هذا الحديث على أن الأفراد العاديين هم من يغيروا بقلبهم، أما العلماء والمفكرون والفقهاء والإعلاميون وأئمة المساجد فيغيروا بلسانهم، أما التغيير باليد فهو سلطة ولي الأمر والدولة، والذين لهم حق الطاعة، وإلا اختل نظام الأمن في المجتمع وانتشرت البلطجة والخروج على القانون تحت شماعة تغيير المنكر، فالأولى أن يقوم بهذا التغيير ولي الأمر، هناك قوانين تم تشريعها وفقًا لكتاب الله وسنة رسوله؛ لذا على الإنسان أن يغير المنكر في نفسه أولاً وفي دائرته المحيطة به وبين أصدقائه ومن يستمعون إليه، بحيث لا يترتب على كلامه فتنة أو ضرر، وأن يترك أمر التغيير الفعلي إلى الحاكم أو من يمثله
بين الفرد والسلطة
أما د.محمد كامل -أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعه الإسكندرية- فأكد أن الأصل في الإنكار لابد أن يكون متفق عليه، فهناك قاعدة شرعية تقول: «لا إنكار في المسائل الاجتهادية» فصلاة الوتر مثلًا قد أصليها ركعة واحدة، وغيري يصليها ثلاث أو خمس، فلا نستطيع أن نقول إن هذا منكر، فهو مختلف فيه، بينما المنكر معناه كل محظور حدده الشرع، وله شروط عديدة أهمها: أن يكون المنكر حاليًّا أي وقع في هذه اللحظة وليس ماضيًا ولا متنبئًا بالمستقبل، وألا يكون مختلفًا فيه، وأن يرجى من وراء تغييره نفع، فإذا جلب ضررًا وفتنة وجب تركه طالما ضرره أقل بكثير من الضرر الناتج عن تغييره، ففي بداية عهد الإسلام كان رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، وعندما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم، لكن منعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد، لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه
وحول دور الفرد في تغيير المنكر أكد «كامل» أنه لا يجوز للفرد العادي أن ينهى عن المنكر إلا بلسانه أو قلبه، فلو استخدم يده قد يترتب على ذلك ضرر أكبر، حيث إن التغيير يتم وفقًا لضوابط وحسابات حتى لا تشيع الفوضى وتنتشر الجريمة في المجتمع؛ لذا فقد اختص القرآن الكريم وأحاديث نبينا  " صلى الله عليه وسلم"  ولي الأمر بهذا التغيير وتوقيع العقاب المناسب وفقًا لما يراه، فقد يستمع الإنسان في الطريق أناسًا يتلفظون بكلمات بذيئة فلا يمكنه أن يحملهم بالقوة على التخلي عن هذه البذاءات، وأقصى ما يمكنه هو النصح باللسان أو الإنكار بالقلب، وفي عصر الدولة الإسلامية كانت ولاية الحسبة وظيفة الدولة لرفع الضرر وتغيير المنكر، وتقوم الأجهزة المختلفة للدولة وولي الأمر بهذا الدور في عصرنا الحديث
أما عن دور الأسرة وآلية تغيير المنكر، فأكد أن رب الأسرة يجب في حقه تغيير المنكر في بيئته الصغيرة، مصداقًا لقول الرسول  " صلى الله عليه وسلم" : «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» وهذا واجب أساسي على الأب داخل الأسرة أن ينهى أولاده عن المنكر ويعلمهم تعاليم الإسلام والتربية السليمة، والمدرسة أيضًا تقوم بهذا الدور.
ولفت في هذا الصدد إلى ما ذكره الشيخ محمد بن صالح العثيمين من أن التغيير باليد لا يمكن إلا من ذي السلطان؛ يعني الأمير أو نوابه الذين جعلهم قائمين مقامه، لا من أفراد الناس، خصوصًا في عصرنا هذا؛ لأنه قد يظن الفرد منا أن هذا منكر وليس بمنكر، فيغيره بيده ويحصل في هذا مفاسد عظيمة
درجات التغيير
بدوره، أكد د.صبري عبدالرءوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن النصيحة في تغيير المنكر يجب أن تكون بأسلوب فيه رفق مصداقًا لقول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} فلا نمنع الناس التوجيه ولكن لابد أن يكون التوجيه بأسلوب جميل ومحفز ومشجع ولا ينتج عنه ضرر، فالمنكرات التي تتم في وسائل الإعلام ثقافة دخلت في مجتمعنا والدولة لم تقم بدورها في منعها، وهذه المشكلة لابد من توجيه الضوء عليها لصالح الوطن وثقافته، فلابد من تنقيح كل ما ينتج عبر الوسائل المختلفة من الكتب والتلفزيون والسينما والإعلام، فالدولة بأي حال من الأحوال لا تستطيع أن تتخلى عن دورها في تغيير المنكر في المجتمع، ولا يجوز شرعًا أن ينصب الإنسان نفسه مكان الدولة أو ولي الأمر فقد يترتب عليه ضرر، وليس من المستحسن أن يتقبل الإنسان أن يحاسبه إنسان ليس له سلطة! فهي سلطة لم يعطها الإسلام لأحد من الناس ولكن أعطاها للدولة وولاة الأمور
وتابع د.عبدالرءوف: معروف أن درجات تغيير المنكر ثلاث: اليد، فاللسان، فالقلب، مصداقًا لقوله  " صلى الله عليه وسلم" : «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».. فإذا نظرنا إلى المرتبة الأولى وهي تغيير المنكر باليد؛ نجد أن التغيير هنا يكون بمنع المنكر ومعاقبة مرتكبيه، ولا يقوم به إلا من تتوفر لديه القدرة والاستطاعة كالأمة مع السلطة الحاكمة، والحاكم والقاضي مع الرعية، والرئيس مع مرؤوسيه، والوالد في بيته.. وعند عدم القدرة على ذلك يكون التغيير باللسان، بإخبار مرتكب المنكر بالحكم الشرعي لفعله، ونصحه وإرشاده وتخويفه بالله، وإذا فقد الأمل في تغييره باللطف يلجأ إلى القول الغليظ الخشن، وأخيرًا التهديد بإنزال العقوبة.. لتأتي المرحلة الثالثة وهي التغيير بالقلب ولا تكون إلا إذا غلب الظن بأن تغيير المنكر باليد أو باللسان سيؤدي إلى منكر أشد، ومعنى التغيير بالقلب هو البراءة من المنكر وأهله والامتناع عن القيام بأي شيء من شأنه تأييد الباطل وأهله ومساعدتهم عليه
أما د.محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، فيؤكد أن الأصل في تغيير المنكر أنه ولاية شرعية منوطة بالحاكم أو الإمام، فلا يجوز للفرد أو المواطن العادي أن يغير المنكر بيده منفردًا؛ لأن بعض الأفراد قد يقومون بتغيير المنكر طبقًا لفهم خاطئ، لذا على كل من يسعى إلى تغيير المنكر أن يتفقه أولاً في الدين، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {ليتفقهوا في الدين وينذروا قومهم}؛ لذلك لا يجوز للأفراد تغيير المنكر دون تفقه في تعاليم الدين الإسلامي؛ لذلك يجب على المؤسسات الدينية أن تغرس الوعي في نفوس المسلمين؛ لكي يعلموا أن تغيير المنكر واجب ولا يجوز الإخلال بالواجبات الدينية والدعوية
وتحدث أيضًا عن الضوابط التي يتم على أساسها تغيير المنكر، موضحًا أن من أهم هذه الضوابط ألا يحل بسبب تغيير المنكر باليد منكرًا أعظم وأكبر منه، أو تفويت معروف أعظم منه، وفقًا للقاعدة الشرعية التي تقول: «إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».. أيضًا أن يكون إنكار المنكر باليد سرًا إذا كان صاحب المنكر متسترًا ليس معلنًا له، أما إذا أظهر المنكر فيجب الإنكار عليه علانية، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «من فعل شيئًا من المنكرات كالفواحش والخمر والعدوان وغير ذلك، فإنه يجب الإنكار عليه بحسب القدرة، فإن كان الرجل متسترًا بذلك وليس معلنًا له أنكر عليه سرًا وستر عليه، كما قال النبي  " صلى الله عليه وسلم" : «من ستر عبدًا ستره الله في الدنيا والآخرة»، أما إذا أظهر المنكر وجب الإنكار عليه علانية.. ومن الضوابط المهمة أيضًا ألا يتجاوز الحد المشروع إن كان المنكر من المنكرات التي يمكن إتلاف بعضها وترك البعض الآخر.. وأخيرًا فإن المنكر الذي يجب إنكاره هو المنكر المجمع عليه، أما المختلف فيه فيترك أمره للعلماء.. وأخيرًا ينبغي على من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يتسم بالرفق عند إنكار المنكر وأن يكون عالمًا بما ينهى عنه
وحول الاحتساب وأثره في التغيير أكد «الشحات» أن الحسبة منصب رفيع كان يقوم به المحتسب في العصر الإسلامي الأول ومهمته تتلخص في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وكان المحتسب يساهم في الرقابة على الأسواق ومراقبة الطرقات لعدم ارتكاب جريمة أو سرقة وهي سلطة من سلطات الدولة تسندها لمن ترَ فيهم القدرة على ذلك

 

 

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire