jeudi 31 janvier 2013

طبق الأصل - أحمد مطر

الدُّودَةُ قالـتْ للأرضْ
إنّـي أدميتُكِ بالعَـضْ
زلزَلـتِ الأرضُ مُقهقِهـةً
عَضّـي بالطُّـولِ وبالعَـرضْ
مِـنْ صُـنْعـي هيكَلُكِ الغَـضْ
ودِماؤكِ من قلـبي المَحـض
ورضـايَ بعضِّكِ إحسـانٌ
ورضـاكِ بإحسـاني فَرضْ
إنّـي قَـد أوجـدْتُكِ حـتّى
تنتَزِعـي من جَسَـدي الموتـى
ولَكِ الدّفـعُ .. ومنكِ القبـضْ
**
الأرضُ انطَرَحَـتْ بِسُـموٍّ
والدُّودَةُ قامَـتْ في خَفضْ
وأنـا الواقِفُ وَسْـطَ العَرضْ
أسـألُ نفسي في استغرابٍ
من ذ ا يتعلّـمُ مِن بعضْ ؟
الأرضُ، تُـرى، أمْ أمريكـا ؟
الدودَةُ .. أمْ دُوَلُ الرّفـضْ ؟
 أحمد مطر

mercredi 30 janvier 2013

غرباء ..! - سميح القاسم

و بكينا.. يوم غنّى الآخرون
و لجأنا للسماء
يوم أزرى بالسماء الآخرون
و لأنّا ضعفاء
و لأنّا غرباء
نحن نبكي و نصلي
يوم يلهو و يغنّي الآخرون
***
و حملنا.. جرحنا الدامي حملنا
و إلى أفق وراء الغيب يدعونا.. رحلنا
شرذماتٍ.. من يتامى
و طوينا في ضياعٍ قاتم..عاماً فعاما
و بقينا غرباء
و بكينا يوم غنى الآخرون
***
سنوات التيهِ في سيناءَ كانت أربعين
ثم عاد الآخرون
و رحلنا.. يوم عاد الآخرون
فإلى أين؟.. و حتامَ سنبقى تائهين
و سنبقى غرباء ؟

سميح القاسم

يعد سميح القاسم واحداً من أبرز شعراء فلسطين، وقد ولد لعائلة درزية فلسطينية في مدينة الزرقاء الأردنية عام 1929، وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة. وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي قبل أن يترك الحزب ويتفرّغ لعمله الأدبي.

سجن القاسم أكثر من مرة كما وضع رهن الإقامة الجبرية بسبب أشعاره ومواقفه السياسية. 
 شاعر مكثر يتناول في شعره الكفاح والمعاناة الفلسطينيين، وما أن بلغ الثلاثين حتى كان قد نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة في العالم العربي
 

lundi 28 janvier 2013

التبعية اللغوية.. وعقدة الإحساس بالدونية


التبعية انقياد للآخر، تتبعه حيثما توجه، دون تفكير في صحة ما يفعل أو خطئه.. 23_opt.jpeg   التابع تسيطر عليه فكرة أن الآخر لا يخطئ وأنه على صواب دائم.. فرق كبير بين التبعية والاقتداء، الأولى تخلو من التفكير، والثانية تقوم على الإعجاب بجوانب معينة في المقتدى به، إضافة إلى أن الاقتداء ينتج عنه كيان قوي، لأنه قائم على انتقاء جوانب القوة في الآخرين، أما التبعية فإنها تتسم بغياب التفكير النقدي، والإحساس بالدونية، وأن السبيل إلى الارتقاء لا يكون إلا بتقليد الآخر، دون التفات إلى الظروف البيئية والمجتمعية المختلفة، نتيجة ضعف الثقة في الذات، وعدم تكليفها بالبحث عن جوانب الإبداع الكامنة فيها.. المشكلة تتلخص في الانبهار والتقليد فحسب، ما يدفعنا إلى تضخيم الآخر وتقزيم الذات، ولو أننا منحنا أنفسنا الفرصة، وأعدنا اكتشاف ما يكمن فيها من ثروات معطلة، لأمكننا أن نكون إضافة جديدة ومهمة للعالم، لأن الأقوياء في زماننا بل في كل زمان لا ينظرون إلى المسخ المشوه الذي لا يمثل إلا صورة باهتة ضعيفة، وإنما ينجذبون نحو الأصل القوي الذي يبهر الأبصار، يظهر فيه إبداع الصانع النابع من ذاته، وفهمه للهدف الذي من أجله صنع ما صنع.
نحن في عالمنا العربي منبهرون بالغرب، نحاول تقليده بشتى السبل، في جميع المجالات، لا نسأل أنفسنا: ما الفائدة التي جنيناها من تقليده؟ هل صرنا من الأمم المتقدمة؟ هل أضفنا إلى المنجزات التقنية شيئًا جديدًا؟ هل قدمنا نظريات علمية جديدة؟ هل حققنا إنجازًا يستحق أن يلفت إلينا أنظار العالم؟
التبعية اللغوية أسوأ أنواع التبعية التي لحقت بنا في السنوات الأخيرة، نترك ما يجمعنا نحن العرب إلى ما لا ينتمي إلينا، وطننا اسمه «الوطن العربي»، المشترك فيه أن أهله يتحدثون اللغة العربية، إن سلبنا عنه هذه الصفة صرنا بلا هوية، يتمزق الكيان ويضيع التاريخ المشترك.. باللغة يفكر الإنسان وبها يتواصل، لو فقدنا اللغة فقدنا التواصل، وتناثرت حبات العقد دون أن تجد من يلملمها مرة أخرى.
للتبعية اللغوية في سنواتنا الأخيرة مظاهر واضحة للعيان، لكننا غافلون عن أخطارها، وأتناول أبرزها في النقاط التالية

 التعليم: ظهرت في البلاد العربية التي تعرضت للاستعمار مدارس للجاليات الأجنبية، يجري التدريس فيها بلغة كل جالية.. كان هذا الوضع في ذلك الوقت طبيعيًا
قاومت الشعوب العربية المحتلة محاولات الاستعمار عادت بلدان المغرب العربي إلى محاولة التدريس باللغة العربية، لكن في السنوات الأخيرة عمَّ في بلدان الوطن العربي-ما استعمر منها وما لم يستعمر- داء التدريس باللغة الأجنبية، سرى الداء بالتدريج في صورة مدارس اللغة التي بهرت الناس بالاعتناء بالتلاميذ واستخدام الوسائل الحديثة في توصيل المعلومات للطلاب   
صارت هذه المدارس وسيلة للتميز الطبقي، فمن يلتحق بها يحسب ضمن الطبقة المتميزة من المجتمع، وكلما زادت المصاريف الدراسية زاد التميز، أما من لم يلتحق بهذه المدارس فإنه يعد من طبقة أقل، يؤكد هذا الدكتور محمد بن أحمد الضبيب في كتابه «اللغة العربية في عصر العولمة»، مشيرًا إلى أن العرب العاملين في مجال التربية والتعليم لم ينظروا إلى «الآثار الخطيرة التي يسببها تعليم اللغة الأجنبية للصغار على انتماءاتهم الوطنية، فيكرس في نفوسهم الغضة التبعية للأجنبي والاستخفاف بكل ما هو عربي، وازدراء التراث العربي والتعلق بأنماط الثقافة الأجنبية الوافدة، وفي ذلك كله تعميق للهزيمة النفسية وتعويق عن النهوض، هذا إلى جانب أن كثيرًا من المدارس الخاصة التي انتهجت هذا النهج قد كونت نوعًا من الطبقية في المجتمع الواحد أدت إلى شروخ ثقافية في المجتمع وأسهمت في تفتيت وحدته». «مكتبة العبيكان، الرياض، 2001م، ص22»
لا يعني هذا نبذ اللغة الأجنبية في التعليم، وإنما وضعها في الموضع الصحيح الذي يتمثل في تعليم اللغة الأجنبية وليس التعليم بها، فالواقع أننا أحللنا اللغة الأجنبية محل لغتنا في تعليم العلوم التطبيقية، وتجري الآن محاولات لزحزحة اللغة العربية عن العلوم الإنسانية، كما يحدث في بعض الجامعات التي تخصص أقسامًا لتعليم التجارة والحقوق باللغة الإنجليزية، وهذه الأقسام تتطلب دفع مصاريف أعلى من الأقسام العربية، وينجذب الطلاب القادرون إليها، لأن الوسائل التعليمية فيها أفضل، بالإضافة إلى أن دفع المزيد من المصاريف يوحي بالتميز، وتتمثل خطورة الوضع في أنه مع مرور الأيام وتوالي الأجيال تصير اللغة العربية غريبة بين أهلها، ويصبح العرب غير قادرين على التواصل مع ثقافتهم العربية التي تكونت على مدار آلاف السنين، بهذا يصيرون بلا هوية، لن يكونوا عربًا، لأن الانتماء إلى العرب في الأساس انتماء إلى لغتهم، وفي الوقت ذاته لن يكونوا جزءًا من أصحاب اللغة التي أتقنوها، بل سيكونون - فقط- تابعين، وهذا ما حدث للدول الفرانكفونية، فهي ناطقة بالفرنسية، لكن لا يستطيع أحد أن يدعي أنهم فرنسيون
يؤكد الدكتور أحمد أبو زيد في كتابه «هوية الثقافة العربية» أن «اللغة ليست مجرد أصوات أو ألفاظ منطوقة أو كلمات مكتوبة، وإنما هي كيان متكامل من الفكر والوجدان والتراث والتاريخ والقيم الدينية والأخلاقية، كما أنها أداة اتصال وتواصل، ولذا فإن استبدال لغة أخرى بها فيه إهدار لكل هذه الأبعاد وانسلاخ المجتمع نفسه عن تاريخه وعن ماضيه وعن هويته الثقافية، كما قد يكون فيه إضعاف، بل وتضحية بعلاقاته الثقافية والفكرية مع الأقطار الأخرى التي تشترك معه في تلك اللغة، وفارق كبير جدًا بين أن يتعلم المرء اللغات الأجنبية لتكون وسيلة للتبادل الفكري مع الثقافات المختلفة، وبين أن يتبنى تلك اللغة لتكون هي أداته في التفكير والتعبير على حساب لغته الأصلية». (الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2004م، ص385
من الغريب أن ينجرف العرب إلى التخلي عن لغتهم، بكل ما تحمله من تراث وتاريخ وثقافة، إضافة إلى ما تتميز به من ثراءٍ وسهولة.. كان من الواجب عليهم أن يطوروا لغتهم وينهضوا بها بدلًا من هدمها، يكفي أنها لغة حية تواصل بها أهلونا عبر القرون، وعنها نقل الأوروبيون الحضارة الإسلامية التي كانت سببًا قويًا في نهضتهم الحديثة.. اللغة العربية مليئة بوسائل الحياة والتطور، فهي لغة اشتقاقية، تسمح بتوليد الكلمات الجديدة، واستيعاب الكلمات من اللغات الأخرى في حالة الضرورة، إنها ليست لغة جامدة، لننظر ماذا فعلت إسرائيل، بعثت لغتها العبرية، وأحيتها من الموات، لتكون لغة للتخاطب ودراسة العلوم المختلفة، وإذا كانت العبرية استطاعت ذلك بعد مواتها، أفلا تستطيع العربية التعبير عن مصطلحات العلوم المختلفة؟ إننا نرتكب جرمًا كبيرًا إن تخلينا عن لغتنا العربية، لن يكون الجرم في حق أمتنا فحسب، وإنما سيكون في حق الإنسانية كلها، لأننا سنهدر جزءًا مهمًا من تاريخ الإنسانية

 الأماكن العامة
نلاحظ في دولنا العربية أنه عندما يتصل أحدنا بفندق أو شركة أو مستشفى، يأتينا صوت من يرد على المكالمة باللغة الأجنبية، ولا ينتقل إلى العربية إلا حينما يدرك أن المتصل عربي سواء كان من أبناء البلد أو من بلد عربي آخر.. هذا الوضع غير طبيعي، لأن المفترض أننا في بلد عربي، لغته العربية، لكن ما يحدث هو العكس، لأن هذه الأماكن تراعي الأجانب- سواء القادمين للعمل أو السياحة- أكثر من مراعاتها أبناء الوطن، وهذا لا يحدث في الدول الأخرى، لأنه يمثل تنازلًا عن مقوم من أهم مقومات الوطنية، وفي هذا الصدد يقول الدكتور أحمد بن محمد الضبيب: «العيب فينا إن لم نتكلم اللغة الأجنبية، لا في الوافد الأجنبي الذي يفترض فيه أن يتعلم لغة البلاد التي يأتي إليها للعمل، كما يحدث في كل بلاد العالم، وهو أمر لا يحتاج إلى دليل فكل من قدر له السفر خارج المملكة «العربية السعودية» يدرك ذلك دون عناء كبير.. انظروا إلى العمال الأتراك في ألمانيا وهولندا، وإلى العمال المغاربة في فرنسا وإسبانيا، وإلى العمال المصريين في النمسا، وإلى أجناس العمال المختلفة في أميركا، هل يخاطبهم المواطنون في هذه الدول بلغة غير لغة البلاد الرسمية؟ بل هل يجرؤ أحد من هؤلاء الوافدين أن يخاطب المواطنين بغير لغتهم الرسمية؟» (ص56

لافتات الشوارع والمحلات
 تقع أعيننا في أي بلد عربي على لافتات الشوارع المكتوبة باللغة الأجنبية، وعن كتابة أسماء المحلات باللغة الأجنبية حدث ولا حرج، في محاولة من أصحابها لإضفاء الصبغة الأجنبية عليها، ظنًّا منهم بأن هذا يجعل العميل يشعر برقي المحل أو المتجر، فتجد اللافتة تحمل اسمًا أجنبيًا بحروف أجنبية مثل Baby Care أي رعاية الطفل، أو اسمًا أجنبيًا بحروف عربية مثل “جولدن فنجرز” أي الأصابع الذهبية، أو الأسهم العربي بحروف أجنبية، مثل كلمة «بدر» التي يكتبها البعض Badr ، ويحدث هذا رغم أن الأغلبية العظمى من العرب لا يتقنون اللغة الأجنبية

يرى الدكتور كمال بشر في كتابة «خاطرات مؤتلفات في اللغة والثقافة» أن ما يحدث له أسباب، من أهمها «عامل نفسي ينزع إلى سلوك قديم من تفضيل الأجنبي، بتصور تفوقه وامتيازه في سلوكه وإنتاجه وسلعه وأدواته، ومن ثم يلجأ رجال الأعمال والتجار وأضرابهم من الناس إلى إطلاق الأسماء الأجنبية على شركاتهم ومحلاتهم، وجذبًا للعامة وإغراءً لهم، أو قل تضليلًا وتمويهًا، وقد نسي هؤلاء وأولئك أن هذا الأسلوب يؤدي في النهاية إلى تعميق فكرة «الفوقية» لكل ما هو أجنبي، وفكرة «الدونية» لكل ما هو قومي، لا في مجال الأمور المادية والاستهلاكية وحدها، بل قد يمتد أثره إلى مجال الفكر والقيم والعادات». يضيف: «وقد انضم إلى هذا العامل النفسي الموروث، منذ سيطرة الجو الأجنبي التركي والإنجليزي، عامل آخر صنعناه بأنفسنا وأفسحنا نحن له الطريق ليستقر بيننا آمنًا مطمئنًا.. ذلك أن موجة «الانفتاح» الاقتصادي وما جرته أو واكبها من قوانين استثمار رأس المال الأجنبي قد أتاحت فرصة ذهبية وفتحت الباب على مصراعيه للشركات الأجنبية ذات الجنسيات المختلفة التي حملت معها لغاتها وأسماءها، الأمر الذي أغرى غير العارفين بالسير على دربهم واتباع سبيلهم بتسمية شركاتهم ومحلاتهم الوطنية والإعلان عنها بلغات أجنبية خالصة أو بكلمات أجنبية مسخت مسخًا بكتابتها بالحروف العربية، وقد فعلوا هذا إما لمجرد التقليد وإما بقصد الادعاء بأن بضائعهم ومنتجاتهم أو أعمالهم ومشاريعهم لا تقل في الجودة أو الامتياز والدقة عما أتى به هذا الوافد الغريب أو هي هي، إن لم تفقها أو تفضلها» «دار غريب، القاهرة، 19995م، ص178»
إبراهيم متولي - كاتب صحفي مصري

قالت العرب في الأمثال

قال الله تعالى في القرآن العظيم: {يَأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا له} (الحج: 73)، وقال أيضًا: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} (يس: 13)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء} (إبراهيم: 24

ومن عجائب الأمثال أنها مع إيجازها تعمل عمل الإطناب، ولها روعة إذا برزت في أثناء الخطاب، والحفظ موكل بما راع من اللفظ، وندر من المعنى، وأمثال العرب كثيرة، وإن وقعت عليها أشعارهم ومن تلاهم من المخضرمين والمحدثين، ولم يضبطها حصر
وفي الأمثال الخامل النادر، والبعيد المغزى، والمعقد المعنى، والجافي اللفظ.. وإليك بعض الأمثال العربية

أكلت يوم أكل الثور الأسود
يضرب لرجل فقد ناصره، فلحقه الضيم من عدوه، وهو من أمثال كليلة ودمنة، وتمثل به سيدنا علي  "رضي الله عنه"  وعنى قتل عثمان  "رضي الله عنه" ، وأصله فيما ذكر صاحب كليلة أن ثورين أسود وأبيض كانا في بعض المروج، فكان الأسد إذا قصدهما تعاونا عليه فرداه، فخلا يوما بالأبيض وقال له: إن خليتني فأكلت الثور الأسود خلا لك مرعاك، وأعطيك عهدا ألا أطور بك- أي لا أقربك- فخلاه والثور الأسود فأكله، ثم عطف عليه فافترسه فقال: إنما أكلت يوم أكل الثور الأسود.

رجع بِخُفَّيْ حنين
حنين إسكافي في الحيرة، ساومه أعرابي بخفين فاختلفا حتى أغضبه الأعرابي، فلما ارتحل ألقى أحد خفيه في طريق الأعرابي، ثم ألقى الآخر في موضع آخر، فلما مر الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا بخف حنين! لو كان معه الآخر أخذته، ومضى فلما انتهى إلى الآخر ندم على تركه الأول، فلما مضى الأعرابي إلى الخف الأول وترك راحلته، عمد حنين إلى راحلته وما عليها وذهب بها، وأقبل الأعرابي ليس معه غير الخفين فقال له قومه: ماذا جئت به من سفرك؟ فقال: جئتكم بخفي حنين، فصار مثلا

هو أصدق من قطاة
وذلك لأنها تقول: قطا قطا فاسمها من صوتها.. قال النابغة الذبياني
تَدعو القَطَا وَبهِ تدعو إذا انتسبت
يا صِدقَها حِينَ تدعوها فَتُنْتَسبُ

أسألُ من فَلْحس
وهو الذي يتحين طعام الناس، وهو الذي تسميه العامية الطفيلي. قال ابن حبيب: هو رجل من شيبان، كان سيدًا عزيزًا يسأل سهما في الجيش وهو في بيته فيعطى، فإذا أعطيه سأل لامرأته، فإذا أعطيه سأل لبعيره، وكان له ابن يقال له: زاهر، فكان مثله فقيل له: العصا من العصية

إذا سَمِعْت بسُرَى القيْن فإنّه مُصبِّح
يضرب مثلًا لرجل يعرف بالكذب حتى يرد صدقه، وأصله أن القين، وهو الحداد إذا كسد عمله أشيع بارتحاله، وهو يريد الإقامة، وإنما يذكر الرحيل ليستعمله أهل الماء، ثم إذا صدق لم يصدق، ولأن من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن يعرف بالكذب لم يجز صدقه.. قال نهشل بن حري
وعهد الغانيات كعهد قين
ونت عنه الجعائل مستذاق
كبرق لاح يعجب من رآه
ولا يغني الحوائم من لماق
ونت عنه الجعائل: أي قصرت فلم تبلغه، والجعائل هاهنا أجور عمله، والمستذاق هو المجرب

إياك أعني واسمعي يا جارة
المثل لسيار بن مال الفزاري، قاله لأخت حارثة بن لأم الطائي، وذلك أنه نزل بها، فنظر إلى بعض محاسنها فهويها، واستحيا أن يخبرها بذلك، فجعل يشبب بامرأة غيرها، فلما طال ذلك وضاق ذرعًا بما يجد وقف لها وقال
كانَتْ لَنا مِنْ غَطْفانَ جارَه
حَلاّلَةٌ ظَعّانَةٌ سَيّارَه
كَأَنَّها مِنْ هيئة وشاره
والحلي حلي التِّبْرِ وَالحِجارَه
مَدْفَعُ مَيْثاءَ إِلى قَرارَه
إيّاكِ أَعْني فَاسْمَعي يا جارَه
ومعنى شبب بها قال فيها الغزل والنسيب

أطرِّي فإنك ناعلة
يضرب مثلًا للقوي على الأمر، وأصله أن رجلًا كانت له أمتان راعيتان إحداهما ناعلة والأخرى حافية، فقال للناعلة أطرِّي أي خذي طرر الوادي فإنك ذات نعلين، ودعي سرارته لصاحبتك فإنها حافية، وطرر الشيء: هو نواحيه وهو الغليظ من الأرض. قال أبوعبيدة: لم يكن هناك نعل وإنما أراد بالنعلين غلظ جلد قدميها، ومن هذا الكلام أخذ المتنبي قوله في كافور
تعجبني رجلاك في النعل إنني
رأيتك ذا نعل إذا كنت حافيا

عند جهينة الخبر اليقين
قال الأصمعي: وأصله أنَّ جهينة هذا كان عنده علم رجل مقتول، وفيه يقول الشاعر
تسائل عن أبيها كل ركبٍ
وعند جفينة الخبر اليقين
قال: فسألوا جفينة فأخبرهم خبر القتيل
وأما هشام بن الكلبي فقال: إنّه جهينة. وكان من حديثه أنَّ حصين بن عمرو بن معاوية بن كلاب خرج ومعه رجل من جهينة يقال له: الأخنس، فنزلا منزلًا، فقام الجهني إلى الكلابي فقتله وأخذ ماله، فكانت أخته صخرة بنت عمرو تبكيه في المواسم، فقال الأخنس الجهني فيها
كصخرة إذ تسائل في مراح
وفي جرمٍ وعلمها ظنون
تسأل عن حصيل كل راكب
وعند جهينة الخبر اليقـين

مكره أخوك لا بطل 
ويقال : إن أصله كان بيهسا الذي يلقب نعامة حين قتل إخوته طلب بثأرهم، وكان له خال يكنى أبا حشر، فقال له: اخرج بنا إلى موضع كذا وكذا وكتمه ما يريد به، ثم مضى إلى الذين يطلبهم بالذحل- والذحل هو الثأر- فهجم به عليهم فجأة ثم قال: إيه أبا حشر، فلما رأى أبو حشر أنه قد نزلت به البلية جعل يذب عن نفسه ويقاتلهم، فقال الناس ما أشجعه! أقدم على هؤلاء، فعندها قال أبوحشر «مكره أخوك لا بطل» أي ليس هذا بالشجاعة مني

مالي ذنب إلا ذنب صحر
وأصله أن صحر هي امرأة لم يعرف الأصمعي من قصتها غير هذا. وكان المفضل يقتص حديثها يقول: هي صحر بنت لقمان العادي، وكان أبوها لقمان وأخوها لقيم خرجا مغيرين فأصابا إبلًا كثيرة، فسبق لقيم إلى منزله، فعمدت أخته صحر إلى جزور مما قدم به لقيم، فنحرتها وصنعت منها طعاما يكون معدا لأبيها إذا قدم، وقد كان لقمان حسد ابنه لقيمًا لتبريزه عليه، فلما قدم لقمان قدمت له صحر الطعام، وعلم أنه من غنيمة لقيم، فلطمها لطمة قضت عليها، فصارت عقوبتها مثلًا لكل من يعاقب ولا ذنب له.. وفيه يقول خفاف بن ندبة السلمي
وعباس يدب لي المنايا
وما أذنبت إلا ذنب صحر

سمِّنْ كلبَكَ يأكلْك
قال: كان لرجل من طسم كلب يسقيه اللبن، ويطعمه اللحم، وكان يأمل فيه أن يصيد به، وأن يحرسه، فظل الكلب على ذلك فجاع يومًا وفقد اللحم، فجاء إلى صاحبه فوثب عليه حتى قطعه وأكل من لحمه، وإياه عنى طرفة بن العبد بقوله
ككلب طسم وقد تـربـيه
يعله بالحليب في الغلسِ
ظل علية يومًا يقـرقـره
إلاّ يلغ الدماء بنهس
الغلس ظلمة آخر الليل، والنهس القبض على اللحم ونتره

بلغ السيل الزبى
وهو أن يبلغ الأمر منتهاه، والزبية تحفر للأسد فيصاد فيها، وهي ركية بعيدة القعر، إذا وقع فيها لم يستطع الخروج منها لبعد قعرها، يحفرونها ثم يوضع عليها اللحم، وقد غموها بما لا يحمله فإذا أتى اللحم انهدم غماء الزبية ووقع فيها

ذكرتني الطعن وكنت ناسيًا
يضرب للشيء ينساه الإنسان وهو يحتاج إليه، قالوا: وأصله أن صخرا بن عمرو بن الشريد لقي أبا ثور ربيعة بن حوط الفقعسي في غزوة غزاها مع بني فقعس، وصخر في بني سليم فانكشفت بنو فقعس، فقال صخر لأبي ثور: ألق الرمح لا أم لك! قال: أو معي رمح ولا أدري! قال: ذكرتني الطعن وكنت ناسيًا، وكر عليه فطعنه، وهزمت بنو سليم

ذكرني فوك حماري أهلي
يضرب مثلًا للرجل يبصر الشيء فيذكر به حاجةً كان قد نسيها، وأصله أن رجلًا خرج يطلب حمارين لأهله أضلهما، فمر على امرأة جميلة المنتقب، فقعد يحادثها، ونسي حماريه لشغل قلبه بها، ثم سفرت فإذا أسنانها منكرة، فتذكر بها أسنان الحمار فانصرف عنها وقال: ذكرني فوك حماري أهلي. ونحوه قول الآخر
سفرت فقلت لها: هج فتبرقعت
فذكرت حين تبرقعت ضبارا

عصا الجبان أطول
وذلك أن الجبان يرى أن طول العصا أرهب لعدوه، وأبعد له من أذاه إذا قاومه، يضرب مثلًا لمن يهرب ويهدد، وليس عنده نكير. ولما كان يوم اليمامة رأى خالد بن الوليد  "رضي الله عنه"  أهلها خرجوا إلى المسلمين وقد جردوا سيوفهم قبل الدنو فقال لأصحابه: أبشروا فإن إبراز السلاح قبل اللقاء فشل، فسمعه مجاعة بن مرارة الحنفي وكان موثقًا عنده فقال: كلا أيها الأمير ولكنها الهنداوية، وهذه غداة باردة فخشوا تحطيمها، فأبرزوها للشمس لتلين متونها، فلما تدانى القوم قالوا: نعتذر إليك يا خالد. وذكروا مثل كلام مجاعة، ثم قاتلوا قتالًا شديدًا لم ير مثله

كأنما أُفرغ عليه ذَنوب
يضرب للرجل الذي ترميه بحجة تسكته، والذنوب: الدّلو، ولا تسمى ذنوبًا إلا أن تكون ملأى، وربما عني به النصيب. وفي القرآن {ذنوبًا مثل ذنوب أصحابهم} وقال الراجز
إنا إذا شاربنا شريب
لنا ذنوب وله ذنوب
وإن أبى كان له الطبيب

لبست له جلد النمر
معناه أظهرت له العداوة الشديدة، وجعلوا النمر مثلًا في ذلك؛ لأنه من أجرأ السباع وأشدها، وأقلها احتمالًا للضيم
يقولون تنمرت له، أي صرت له مثل النمر أوقع به ولا أحتمله.. قال عمرو بن معد يكرب
قوم إذا لبسوا الحد
يد تنمروا حلقًا وقدا

من استرعى الذئب ظلم
أي: من استرعى الذئب فقد وضع الأمانة في غير موضعها، والظلم وضع الشيء في غير موضعه، وقالوا الذئب: اسم رجل وهو ابن أخ أكثم بن صيفي. قالوا: غزا أكثم فأسر الأقياس ونهيكا وأخذ أموالهم، ثم بدا له، وأراد إطلاقهم.. فدعا بني أخيه وهم ثلاثة، الكلب والسبع والذئب، فدفع الأقياس ونهيكا إلى الكلب، ووضع الأموال في يدي الذئب، وقال: إذا أطلقتهم فادفع إليهم أموالهم، فانطلق الكلب إلى الذئب فأخبره ألا يطلقهم وقبض الذئب الأموال، فبلغ ذلك أكثم فقال: نعم كلب في بؤس أهله، من استرعى الذئب ظلم

نفس عصام سوَّدتْ عصامًا
هو عصام بن شهبر الجرمي، وكان من أشد الناس بأسًا وأبينهم لسانًا، وأحزمهم رأيًا، وكان على جل أمر النعمان، ولم يكن في بيت من قومه أدنى منه فقال له رجل: كيف نزلت هذه المنزلة من الملك وأنت دنيء الأصل؟! فقال
نفس عصام سودت عصاما
وعلمته الكر والإقداما
وجعلته ملكًا هماما
والناس يقولون لمن يفخر بنفسه: عصامي، ولمن يفتخر بآبائه عظامي
عن أبي هريرة  "رضي الله عنه"  قال: قال رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : «من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه

يداك أوكتا وفوك نفخ
يقال ذلك لمن يوقع نفسه في مكروه. وأصله أن رجلًا أراد أن يعبر نهرًا على سقاء، فلم ينفخها ولم يوكها على ما ينبغي، فلما توسط النهر انحل وكاؤها، فصاح الغرق! فقيل له: يداك أوكتا وفوك نفخ.. أي إنك من قبل نفسك أتيت، والوكاء: هو الخيط الذي يشد به رأس السقاء

هذا وتبقى الأمثال نوعًا من العلم منفردًا بنفسه، لا يقدر على التصرف فيه إلا من اجتهد في طلبه حتى أحكمه، وبالغ في التماسه حتى أتقنه، ولما عرفت العرب أن الأمثال تتصرف في أكثر وجوه الكلام، وتدخل في جل أساليب القول، أخرجوها في أقواها من الألفاظ؛ ليخف استعمالها، ويسهل تداولها، فهي من أجل الكلام وأنبله، وأشرفه وأفضله، لقلة ألفاظها وكثرة معانيها، وجسيم عائداتها
كافية الكبش- باحثة في اللغة

mercredi 23 janvier 2013

غليان - أحمد مطر

ألمـحُ القِـدْرَ على الموقِـدِ تغلـي
 
وأنا من فَرْطِ إشفاقـيَ أغلـي

تنفُخُ القِـدْرُ بُخـاراً

 
هازِئـاً بي وبنُبلـي

قُـمْ إلى شُغلِكَ .. واترُكـني لِشُغلـي

أنا لا أوضَـعُ فـوقَ النّارِ إلاّ

 
بَعـدَ أن يوضَـعَ في بطـنيَ أكلـي

أنـا أُرغِـي، حُـرّةً، مِنْ حَـرِّ ناري

 
وأنا أُزْبِــدُ لو طالَ ا ستِعـا ري

 
وأنا ا طفـيءُ بالزّفْراتِ غِلّـي

أيّها الجاهِـلُ قُلْ لـي

هلْ لديكُـمْ عربيٌّ واحِـدٌ

 
يفعَـلُ مِثلـيْ ؟

mardi 22 janvier 2013

موشح زمان الوصل - لسان الدين ابن الخطيب


جــادك الغيــث إِذا الغيـث همـى = يــا زمــان الــوصل بــالأَندلسِ
لـــم يكــن وصْلُــك إِلاّ حُلُمًــا = فــي الكــرى أَو خُلسـة المخـتَلِسِ
....
إذ يقــود الدّهــرُ أَشــتاتَ المُنـى
ينقــلُ الخــطوَ عـلى مـا يرسـمُ
زُمَـــرًا بيــن فُــرادى وثُنًــى
مثــل مــا يدعـو الوفـودَ الموْسـمُ
والحيــا قــد جـلَّل الـرّوض سـنا
فثغـــور الزّهــرِ فيــه تبســمُ
....
وروى النُّعمــانُ عـن مـاءِ السّـما =كــيف يَــروي مـالِكٌ عـن أنَسِ?
فكســاه الحُســن ثوبًــا معلمــا =يـــزدهي منـــه بــأبهى مَلبسِ
....
فــي ليــالٍ كــتَمَتْ سـرَّ الهـوى
بــالدُّجى لــولا شــموس الغُـرَر
مــال نجــمُ الكـأس فيهـا وهـوى
مســـتقيمَ السّــيرِ سَــعْدَ الأَثَــرِ
وطَـرٌ مـا فيـه مـن عيـبٍ سـوى
أَنّـــه مـــرّ كــلمْح البصَــرِ
....
حــين لــذّ الأُنس شــيئًا أَو كمـا = هجــم الصّبــحُ هجــومَ الحـرَسِ
غــارت الشــهْبُ بنــا أَو ربّمـا = أَثّــرت فينــا عيــون النرجــسِ
....
أَيّ شــيءٍ لاِمْــرئٍ قــد خلُصـا
فيكــون الــرّوضُ قـد مُكِّـن فيـهِ
تنهــب الأَزهــار فيــه الفُرصـا
أمِنَــت مــن مكــره مــا تتّقيـهِ
فــإذا المــاء تنــاجى والحـصى
وخـــلا كـــلّ خــليلٍ بأخيــه
....
تبصــر الــوردَ غيــورًا بَرِمــا = يكتســي مــن غيظـه مـا يكتسـي
وتَـــرى الآس لبيبًـــا فهِمـــا = يســرقُ الســمْع بــأذنيْ فــرَسِ
....
يـا أُهيْـلَ الحـيّ مـن وادي الغضـا
وبقلبـــي ســـكَنٌ أَنتـــم بــهِ
ضـاق عـن وجـدِي بِكُم رحْبَ الفضا
لا أبــالى شــرقَه مــن غربــهِ
فــأعيدوا عَهْــدَ أنسٍ قــد مضـى
تُعْتِقـــوا عــانيكمُ مــن كرْبــهِ
....
واتّقــوا اللــه وأَحــيوا مغرمَــا = يتلاشــــى نَفَسًـــا فـــي نَفَسِ
حـــبَس القلــب عليكــم كَرمــا = أفـــترضون عفـــاءَ الحــبَسِ?
....
وبقلبــــي منكمـــو مقـــتربُ
بأحــاديث المنــى وهــو بعيــد
قمـــرٌ أَطلــع منــه المغــربُ
شَــقْوة المُغــرَى بـه وهـو سـعيد
قــد تســاوى محســنٌ أَو مـذنبُ
فــي هــواه بيــن وعْـدٍ ووعيـد
....
ســاحر المقلــة معســول اللّمـى = جــال فــي النّفس مجــالَ النّفَسِ
ســدّدَ السّــهمَ وســمّى ورمــى = ففـــؤَادي نهبـــة المفـــترسِ

من كتاب طوق الحمامة - ابن حزم الأندلسي

  في الألفة والأُلاَّف
للحب علامات يقفوها الفطن، ويهتدي إليها الذكي . فأولها إدمان النظر والعين باب النفس الشارع ، وهي المنقبة عن سرائرها ، والمعبرة لضمائرها ، والمعربة عن بواطنها . فترى الناظر لا يطرف ، ينتقل بتنقل المحبوب ، وينزوي بإنزواءه ، ويميل حيث مال .
ومنها علامات متضادة وهي على قدر الدواعي ، والعوارض الباعثة والأسباب المحركة والخواطر المهيجة . والأضداد أنداد ، والأشياء إذا أفرطت في غايات تضادها ووقفت في انتهاء حدود اختلافها تشابهت ، قدرة من الله عز وجل تضل فيها الأوهام . فهذا الثلج إذا أُدمن حبسه في اليد فعل فعل النار ، ونجد الفرح إذا أفرط قتل ، والغم إذا أفرط قتل ، والضحك إذا كثر واشتد ، أسال الدمع من العينين . وهذا في العالم كثير ، فنجد المحبين إذا تكافيا في المحبة وتأكدت بينهما شديداً ، كثر تهاجرهما بغير معنى ، وتضادهما في القول تعمداً ، وخروج بعضهما على بعض في كل يسير من الأمور ، وتتبع كل منهما لفظة تقع من صاحبه ، وتأولها على غير معناها ، كل هذا تجربة ليبدو ما يعتقده كل واحد منهما في صاحبه .
والفرق بين هذا وبين حقيقة الهجرة ، المضادة المتولدة عن الشحناء ومحارجة التشاجر ، سرعة الرضى ، فإنك بينما ترى المحبين قد بلغا الغاية من الاختلاف الذي لا تقدره ، يصلح عند الساكن النفس ، السالم من الأحقاد في الزمن الطويل ، ولا ينجز عند الحقود أبداً ، فلا تلبث أن تراهما ، قد عادا إلى أجمل الصحبة ، وأهدرت المعاتبة ، وسقط الخلاف ، وانصرفا في ذلك الحين بعينه إلى المضاحكة والمداعبة ، هكذا في الوقت مراراً . وإذا رأيت هذا من اثنين فلا يخالجك شك ، ولا يدخلنك ريبة البتة ، ولا تتمار في أن بينهما سراً من الحب دفيناً ، واقطع فيه قطع من لا يصرفه عنه صارف .ودونكها تجربة صحيحة وخبرة صادقة . هذا لا يكون إلا عن تكافٍ في المودة وائتلاف صحيح .
ومن أعلامه أنك تجد المحب يستدعي سماع اسم من يحب ، ويستلذ الكلام في أخبارة ويجعلها هجيراه ، ولا يرتاح لشيء ارتياحه لها ، ولا ينهنهه عن ذلك تخوف أن يفطن السامع ويفهم الحاضر .
- ومن وجوه العشق : الوصل ، وهوحظ رفيع ، ومرتبة سرية ، ودرجة عالية ، وسعد طالع ، بل هو الحياة المجددة والعيش السني ، والسرور الدائم ، ورحمة من الله عظيمة . ولولا أن الدنيا ممر ومحنة وكدر ، والجنة دار جزاء وأمان من المكاره ، لقلنا إن وصل المحبوب هو الصفاء الذي لا كدر فيه ، والفرح الذي لا شائبة ولا حزن معه ، وكمال الأماني ، ومنهى الأراجي .
ولقد جربت اللذات على تصرفها ، وأدركت الحظوظ على اختلافها ، فما للدنو من السلطان ، ولا المال المستفاد ، ولا الوجود بعد العدم ، ولا الأوبة بعد طول الغيبة ، ولا الأمن بعد الخوف ، ولا التروح على المال ، من الموقع في النفس ما للوصل ، ولا سيما بعد طول الامتناع ، وحلول الهجر ، حتى يتأجج عليه الجوى ، ويتوقد لهيب الشوق ، وتتضرم نار الرجاء . وما إصناف النبات بعد غِب القطر ، ولا إشراق الأزاهير بعد إقلاع السحاب الساريات في الزمان السجسج ، ولا خرير المياة المتخللة لأفانين النوار ، ولا تأنق القصور البيض ، قد أحدقت بها الرياض الخضر ، بأحسن من وصل حبيب قد رُضيت أخلاقه ، وحُمدت غرائزه ، وتقابلت في الحسن أوصافه ، وأنه لمعجز ألسنة البلغاء ، ومقصر فيه بيان الفصحاء ، وعنده تطيش الألباب ، وتعزب الأفهام وفي ذلك أقول :
وسائل لي عما لي من العمر * وقد رأى الشيب في الفوْدين والعذر
أجبته : ساعة لا شيء أحسبه * عمراً سواها بحكم العقل والنظر
فقال لي : كيف ذا بينه لي فلقد * أخبرتني أشنع الأنباء والخبر
فقلت : إن التي قلبي بها عَلِقٌ * قبلتها قبلة يوم على خطر
فما أعد ولو طالت سِنِي سوى * تلك السويعة بالتحقيق من عمري
.

عبدالله ابن المقفع: البلاغة

قال : البلاغة اسم جامع لمعان تجري في وجوه كثيرة ، فمنها ما يكون في السكوت ، ومنها ما يكون في الاستماع ، ومنها ما يكون في الإشارة ، ومنها ما يكون في الحديث ، ومنها ما يكون في الاحتجاج ، ومنها ما يكون جواباً ، ومنها ما يكون ابتداء.
ومنها ما يكون من هذه الأبواب الوحي فيها .. والإشارة إلى المعنى .. والإيجاز هو البلاغة ، فأما الخطب بين السماطين .. وفي إصلاح ذات البين فالإكثار في غير خطل ، وإطالة في غير إملال .. وليكن في صدرك دليل على حاجتك .. كما أن خير أبيات الشعر .. البيت الذي إذا سمعت صدره .. عرفت قافيته .! )

ثم قيل له : فإن مل المستمع الإطالة .. التي ذكرت أنها حق ذلك الموقف ..؟
قال ابن المقفع : ( إذا أعطيت كل مقام حقه .. وقمت بالذي يجب من سياسة ذلك المقام ‘ وأرضيت من يعرف حقوق الكلام .. فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو ، فإنه لا يرضيها شيء ، وأما الجاهل فلت منه وليس منك ..! ورضا جميع الناس شيء لا تناله ، وقد كان يقال : رضى الناس شيء لا ينال )

يقول في آداب خطبة النكاح ما نصه : ( والسنة في النكاح أن يطيل الخاطب ، ويقصر المجيب ، ألا ترى إلى قيس بن خارجة ابن سنان لما ضرب بصفيحة سيفه مؤخرة راحلتي الحاملين في شأن حمالة داحس والغبراء
قال : ما لي فيها أيها العشتمان ؟
قالا له : بل ما عندك ؟
قال : عندي قرى كل نازل .. ورضا كل ساخط ..!
وخطبة .. من لدن تطلع الشمس إلى أن تغرب .. آمر فيها بالتواصل ، وأنهى فيها عن التقاطع .. )
سئل ابن المقفع عن قول قول عمر بن الخطاب : ما يتصعدني كلام كما تصعدني خطبة النكاح .
قال : ما أعرفه إلا أن يكون أراد قرب الوجوه من الوجوه .. ونظر الحداق من قرب في أجواف الحداق .. ولأنه إذا كان جالساً معهم كانوا كأنهم نظراء وأكفاء ، وإذا علا المنبر صاروا سوقه ورعية قارب عدوك بعض المقاربة تنل حاجتك .. ولا تقاربه كل المقاربة فيجترئ عليك عدوك وتذل نفسك ويرغب عنك ناصرك .!
ومثل ذلك مثل العود .. المنصوب في الشمس .. إن أملته قليلاً .. زاد ظله .!
وإن جاوزت الحد في إمالته .. نقص الظل .!

lundi 21 janvier 2013

من كتاب الأدب الصغير-عبدالله ابن المقفع

- لا عقل لمن أغفله عن آخرته ما يجد من لذة دنياه ..وليس من العقل أن يحرمه حظه من الدنيا بصره بزوالها
- من لا عقل له فلا دنيا له ولا آخرة

- وأمارة صحة العقل.. اختيار الأمور بالبصر وتنفيذ البصر بالعزم .. وللعقول سجيات .. وغرائز بها تقبل الأدب وبالأدب تتنمى العقول وتزكو.

- والعقل بإذن الله هو الذي يحرز الحظ ويؤنس الغربة وينفي الفاقة ويعرف النكرة ويثمر المكسبة ويطيب الثمرة ويوجه السوقة عند السلطان ويستنزل للسلطان نصيحة السوقة ويكسب الصديق وينفي العدو

- وليعلم أن على العاقل أموراً إذا ضيعها حكم عقله بمقارنة الجهال فعلى العاقل أن يعلم أن الناس مشتركون فمستوون في الحب لما يوافق والبغض لما يؤذي وأن هذه منزلة اتفق عليها الحمقى والأكياس ثم اختلفوا بعدها في ثلاث خصال هن جماع الثواب وجماع الخطأ وعندهن تفرقت العلماء والجهال والحزمة والعجزة .

- ليس من الدنيا سرور يعدل صحبة الإخوان ولا فيها غم يعدل فقدهم

- على العاقل مخاصمة نفسه ومحاسبتها والقضاء عليها والإثابة والتنكيل بها

- أشد الفاقة عدم العقل وأشد الوحدة وحدة اللجوج ولا مال أفضل من العقل ولا أنيس آنس من الاستشارة

- أفضل ما يورث الأباء الأبناء الثناء الحسن والأدب النافع والإخوان الصالحون

- العجب آفة العقل واللجاجة قعود الهوى والبخل لقاح الحرص والمراء فساد العقل والحمية سبب الجهل والأنفة توأم السفه والمنافسة أخت العداوة

- ليست للخلة التي هي الغنى مدح إلا وهي للفقير عيب .. فإن كان شجاعاً .. سمي أهوجاً وإن كان جواداً .. سمي مفسداً .. وإن كان حليماً .. سمي ضعيفاً وإن كان قوياً .. سمي بليداً وإن كان لسناً .. سمي مهذاراً وإن كان صموتاً .. سمي عيياً

- إن للسلطان المقسط حقاً لا يصلح لخاصة ولا عامة أمر إلا بإرادته .. فذو اللب حقيق على أن يخلص لهم النصيحة ، ويبذل لهم الطاعة ويكتم سرهم ويزين سيرتهم ويذب بلسانه ويده عنهم ....، ولا يعثر عليهم إذا رضوا عنه ، ولا يتغير عليهم إذا سخطوا عليه وأن يحمدهم على ما أصاب من خير منهم غيرهم ، فإنه لا يقدر أحد أن يصيبه بخير إلا بفاع الله عنه بهم .

- وقد يسعى إلى أبواب السلطان أجناس من الناس كثير
أما الصالح فمدعو وأما الطالح فمقتحم وأما ذو الأدب فطالب وأما من لا أدب له فمختلس وأما القوي فمدافع وأما الضعيف فمدفوع وأما المحسن فمستثيب وأما المسيء فمستجير فهو مجمع البر والفاجر والعالم والجاهلب والشريف والوضيع

وصية أكثم بن صيفي لأبناءه

جمع أكثم بنيه فقال :
 يابني قد أتت علي مائتا سنة وإني مزودكم من نفسي ، عليكم بالبر ينمي العدد وكفو ألسنتكم فإن مقتل الرجل بين فكيه ، إن قول الحق لم يدع صديقاً ، وإنه لا ينفع من الجزع التبكي ولا مما هو واقع التوقي ، وفي طلب المعالي يكون الغرر ...
وهي وصية طويلة جاء في أخرها :
يابني لا يغلبنكم جمال النساء عن صراحة النسب فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف ..

dimanche 20 janvier 2013

قس بن ساعدة: خطبته الشهيره في سوق عكاظ


يا أيها الناس اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فانتفعوا إنه من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت مطر ونبات وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات وأحياء وأموات جمع وأشتات وآيات وأرض ذات رتاج ,وبحار ذات أمواج ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا أقسم قس قسماً لا حانث فيه ولا آثماً إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ونبياً قد حان حينه وأظلكم أوانه فطوبى لمن آمن به فهداه , وويل لمن خالفه وعصاه ثم قال تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية يا معشر إياد أين الآباء والأجداد وأين ثمود وعاد وأين الفراعنة الشداد أين من بنى وشيد وزخرف ونجد وغره المال والولد أين من بغى وطغى وجمع فأوعى وقال أنا ربكم الأعلى ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً وأطول منكم آجالاً وأبعد منكم آمالاً طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم بتطاوله فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمرتها الذئاب العاوية كلا بل هو الله الواحد المعبود ليس والد ولا مولود ثم أنشأ يقول

في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر
                                                 ورأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر
                                                 أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر

الأدب والذهب

الأدب والذهب
كتب بديع الزمان إلى إلى مستميح عاوده مراراً وقال له : لم لا تديم الجود بالذهب ، كما تديمه بالأدب ؟ فكتب البديع :
- عافاك الله - : مثل الإنسان في الإحسان ، مثل الأشجار في الإثمار ، وسبيل في ابتداء بالحسنة ، أن يرفه إلى السنة ، وأنا كما ذكرت لا أملك عضوين من جسدي ، وهما فؤادي ويدي ، أما اليد فتولع بالجود ، وأما الفؤاد فيتعلق بالوفود ، ولكن هذا الخلق النفيس ، لا يساعده إلا الكيس ، وهذا الخلق الكريم ، لا يحتمله إلا الكريم ، ولا قرابة بين الأدب والذهب ، فلم جمعت بينهما ؟ والأدب لا يمكن ثرده في قصعة ، ولا صرفه في ثمن سلعة ، وقد جهدت جهدي بالطباخ ، أن يطبخ لي من جيمة الشماخ لوناً فلم يفعل ، وبالقصاب ، أن يذبح أدب الكتاب فلم يقبل ، وأنشدت في الحمام ، ديوان أبي تمام ، فلم ينجع ، ودفعت إلى الحجام ، مُقطعات اللجام ، فلم يأخذ ، واحتيج في البيت إلى شيء من الزيت ، فأنشدت ألفاً ومائتي بيت ، من شعر الكميت ، فلم يغن ، ودفعت أرجوزة العجاج ، في توابل السكباج ، فلم ينفع ، وأنت لم تقنع ، فما أصنع ؟ فإن كنت تحسب اختلافك إلي ، إفضالاً منك علي ، فراحتي ألا تطرق ساحتي ، وفرجي ألا تجيء والسلام
------------
المصدر : معجم الأدباء / الحموي

من كتاب لسان العرب-ابن منظور

( حدد ) الحَدُّ الفصل بين الشيئين لئلا يختلط أَحدهما بالآخر أَو لئلا يتعدى أَحدهما على الآخر وجمعه حُدود وفصل ما بين كل شيئين حَدٌّ بينهما ومنتهى كل شيء حَدُّه ومنه أَحد حُدود الأَرضين وحُدود الحرم وفي الحديث في صفة القرآن لكل حرف حَدّ ولكل حَدّ مطلع قيل أَراد لكل منتهى نهاية ومنتهى كل شيءٍ حَدّه وفلان حديدُ فلان إِذا كان داره إِلى جانب داره أَو أَرضه إِلى جنب أَرضه وداري حَديدَةُ دارك ومُحادَّتُها إِذا كان حدُّها كحدها وحَدَدْت الدار أَحُدُّها حدّاً والتحديد مثله وحدَّ الشيءَ من غيره يَحُدُّه حدّاً وحدَّدَه ميزه وحَدُّ كل شيءٍ منتهاه لأَنه يردّه ويمنعه عن التمادي والجمع كالجمع وحَدُّ السارق وغيره ما يمنعه عن المعاودة ويمنع أَيضاً غيره عن إِتيان الجنايات وجمعه حُدُود وحَدَدْت الرجل أَقمت عليه الحدّ والمُحادَّة المخالفة ومنعُ ما يجب عليك وكذلك التَّحادُّ وفي حديث عبدالله بن سلام إِن قوماً حادّونا لما صدقنا الله ورسوله المُحادَّة المعاداة والمخالفة والمنازعة وهو مُفاعلة من الحدّ كأَنّ كل واحد منهما يجاوز حدّه إِلى الآخر وحُدُود الله تعالى الأَشياء التي بيَّن تحريمها وتحليلها وأَمر أَن لا يُتعدى شيء منها فيتجاوز إِلى غير ما أَمر فيها أَو نهى عنه منها ومنع من مخالفتها واحِدُها حَدّ وحَدَّ القاذفَ ونحوَه يَحُدُّه حدّاً أَقام عليه ذلك الأَزهري والحدّ حدّ الزاني وحدّ القاذف ونحوه مما يقام على من أَتى الزنا أَو القذف أَو تعاطى السرقة قال الأَزهري فَحُدود الله عز وجل ضربان ضرب منها حُدود حَدَّها للناس في مطاعمهم ومشاربهم ومناكحهم وغيرها مما أَحل وحرم وأَمر بالانتهاء عما نهى عنه منها ونهى عن تعدّيها والضرب الثاني عقوبات جعلت لمن ركب ما نهى عنه كحد السارق وهو قطع يمينه في ربع ديناءِ فصاعداً وكحد الزاني البكر وهو جلد مائة وتغريب عام وكحدّ المحصن إِذا زنى وهو الرجم وكحد القاذف وهو ثمانون جلدة سميت حدوداً لأَنها تَحُدّ أَي تمنع من إِتيان ما جعلت عقوبات فيها وسميت الأُولى حدوداً لأَنها نهايات نهى الله عن تعدّيها قال ابن الأَثير وفي الحديث ذكر الحَدِّ والحدُود في غير موضع وهي محارم الله وعقوباته التي قرنها بالذنوب وأَصل الحَدِّ المنع والفصل بين الشيئين فكأَنَّ حُدودَ الشرع فَصَلَت بين الحلال والحرام فمنها ما لا يقرب كالفواحش المحرمة ومنه قوله تعالى تلك حدود الله فلا تقربوها ومنه ما لا يتعدى كالمواريث المعينة وتزويج الأَربع ومنه قوله تعالى تلك حدود الله فلا تعتدوها ومنها الحديث إِني أَصبحت حدّاً فأَقمه عليّ أَي أَصبت ذنباً أَوجب عليّ حدّاً أَي عقوبة وفي حديث أَبي العالية إِن اللَّمَمَ ما بين الحَدَّيْن حَدِّ الدنيا وحَدِّ الآخرة يريد بِحِدِّ الدنيا ما تجب فيه الحُدود المكتوبة كالسرقة والزنا والقذف ويريد بِحَدِّ الآخرة ما أَوعد الله تعالى عليه العذاب كالقتل وعقوق الوالدين وأَكل الربا فأَراد أَن اللمم من الذنوب ما كان بين هذين مما لم يُوجِبْ عليه حدّاً في الدنيا ولا تعذيباً في الآخرة وما لي عن هذا الأَمر حَدَدٌ أَي بُدٌّ والحديد هذا الجوهر المعروف لأَنه منيع القطعة منه حديدة والجمع حدائد وحَدائدات جمع الجمع قال الأَحمر في نعت الخيل وهن يَعْلُكْن حَدائِداتها ويقال ضربه بحديدة في يده والحدّاد معالج الحديد وقوله إِنِّي وإِيَّاكمُ حتى نُبِيءَ بهِ مِنْكُمُ ثمانَيةً في ثَوْبِ حَدَّادِ أَي نغزوكم في ثياب الحَديد أَي في الدروع فإِما أَن يكون جعل الحدّاد هنا صانع الحديد لأَن الزرّاد حَدّادٌ وإِما أَن يكون كَنَى بالحَدَّادِ عن الجوهر الذي هو الحديد من حيث كان صانعاً له والاسِتحْداد الاحتلاق بالحديد وحَدُّ السكين وغيرها معروف وجمعه حُدودٌ وحَدَّ السيفَ والسِّكِّينَ وكلَّ كليلٍ يَحُدُّها حدّاً وأَحَدَّها إِحْداداً وحَدَّدها شَحَذَها ومَسَحها بحجر أَو مِبْرَدٍ وحَدَّده فهو مُحدَّد مثله قال اللحياني الكلام أَحدَّها بالأَلف وقد حَدَّثْ تَحِدُّ حِدَّةً واحتَدَّتْ وسكين حديدة وحُدادٌ وحَديدٌ بغير هاء من سكاكين حَديداتٍ وحَدائدَ وحِدادٍ وقوله يا لَكَ من تَمْرٍ ومن شِيشاءِ يَنْشَبُ في المَسْعَلِ واللَّهاءِ أَنْشَبَ من مآشِرٍ حِداءِ فإِنه أَراد حِداد فأَبدل الحرف الثاني وبينهما الأَلف حاجزة ولم يكن ذلك واجباً وإِنما غير استحساناً فساغ ذلك فيه وإِنها لَبَيِّنَةُ الحَدِّ وحَدَّ نابُهُ يَحِدُّ حِدَّة ونابٌ حديدٌ وحديدةٌ كما تقدّم في السكين ولم يسمع فيها حُدادٌ وحَدّ السيفُ يَحِدُّ حِدَّة واحتدّ فهو حادّ حديدٌ وأَحددته وسيوفٌ حِدادٌ وأَلْسِنَةٌ حِدادٌ وحكى أَبو عمرو سيفٌ حُدّادٌ بالضم والتشديد مثل أَمر كُبَّار وتحديدُ الشَّفْرة وإِحْدادُها واسِتحْدادُها بمعنى ورجل حَديدٌ وحُدادٌ من قوم أَحِدَّاءَ وَأَحِدَّةٍ وحِدادٍ يكون في اللَّسَنِ والفَهم والغضب والفعل من ذلك كله حَدَّ يَحِدُّ حِدّةً وإِنه لَبَيِّنُ الحَدِّ أَيضاً كالسكين وحَدَّ عليه يَحدُّ حَدَداً واحْتَدَّ فهو مُحْتَدٌّ واستَحَدَّ غَضِبَ وحاددته أَي عاصيته وحادَّه غاصبه مثل شاقَّه وكأَن اشتقاقه من الحدِّ الذي هو الحَيّزُ والناحية كأَنه صار في الحدّ الذي فيه عدوّه كما أَن قولهم شاقَّه صار في الشّق الذي فيه عدوّه وفي التهذيب استحَدَّ الرجلُ واحْتَدَّ حِدَّةً فهو حديد قال الأَزهري والمسموع في حِدَّةِ الرَّجلِ وطَيْشِهِ احْتَدَّ قال ولم أَسمع فيه استَحَدَّ إِنما يقال استحدّ واستعان إِذا حلق عانته قال الجوهري والحِدَّةُ ما يعتري الإِنسان من النَّزقِ والغضب تقول حَدَدْتُ على الرجل أَحِدُّ حِدَّةً وحَدّاً عن الكسائي يقال في فلان حِدَّةٌ وفي الحديث الحِدَّةُ تعتري خيار أُمتي الحِدَّةُ كالنشاط والسُّرعة في الأُمور والمَضاءة فيها مأْخوذ من حَدِّ السيف والمراد بالحِدَّةِ ههنا المَضاءُ في الدين والصَّلابة والمَقْصِدُ إِلى الخير ومنه حديث عمر كنت أُداري من أَبي بكر بعضَ الحَدِّ الحَدُّ والحِدَّةُ سواء من الغضب وبعضهم يرويه بالجيم من الجِدِّ ضِدِّ الهزل ويجوز أَن يكون بالفتح من الحظ والاستحدادُ حلقُ شعر العانة وفي حديث خُبيبٍ أَنه استعار موسى استحدّ بها لأَنه كان أَسيراً عندهم وأَرادوا قتله فاستَحَدَّ لئلا يظهر شعر عانته عند قتله وفي الحديث الذي جاء في عَشْرٍ من السُّنَّةِ الاستحدادُ من العشر وهو حلق العانة بالحديد ومنه الحديث حين قدم من سفر فأَراد الناس أَن يطرقوا النساء ليلاً فقال أَمْهِلوا كي تَمْتَشِذَ الشَّعِثَةُ وتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ أَي تحلق عانتها قال أَبو عبيد وهو استفعال من الحديدة يعني الاستحلاف بها استعمله على طريق الكناية والتورية الأَصمعي استحدَّ الرجلُ إِذا أَحَدَّ شَفْرته بحديدة وغيرها ورائحة حادَّةٌ ذَكِيَّةً على المثل وناقة حديدةُ الجِرَّةِ توجد لِجِرَّتها ريح حادّة وذلك مما يُحْمَدُ وَحَدُّ كل شيء طَرَفُ شَبَاتِهِ كَحَدِّ السكين والسيف والسّنان والسهم وقيل الحَدُّ من كل ذلك ما رق من شَفْرَتِهِ والجمع حُدُودٌ وحَدُّ الخمر والشراب صَلابَتُها قال الأَعشى وكأْسٍ كعين الديك باكَرْت حَدَّها بِفتْيانِ صِدْقٍ والنواقيسُ تُضْرَبُ وحَدُّ الرجُل بأْسُه ونفاذُهُ في نَجْدَتِهِ يقال إِنه لذو حَدٍّ وقال العجاج أَم كيف حدّ مطر الفطيم وحَدَّ بَصَرَه إِليه يَحُدُّه وأَحَدَّه الأُولى عن اللحياني كلاهما حَدَّقَهُ إِليه ورماه به ورجل حديد الناظر على المثل لا يهتم بريبة فيكون عليه غَضاضَةٌ فيها فيكون كما قال تعالى ينظرون من طرف خفيّ وكما قال جرير فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنك من نُمَيْرٍ قال ابن سيده هذا قول الفارسي وحَدَّدَ الزرعُ تأَخر خروجه لتأَخر المطر ثم خرج ولم يَشْعَبْ والحَدُّ المَنْعُ وحدَّ الرجلَ عن الأَمر يَحُدُّه حَدّاً منعه وحبسه تقول حَدَدْتُ فلاناً عن الشر أَي منعته ومنه قول النابغة إِلاَّ سُلَيْمانَ إِذْ قال الإِلهُ لَهُ قُمْ في البرية فاحْدُدْها عن الفَنَدِ والْحَدَّادُ البَوَّابُ والسَّجَّانُ لأَنهما يمنعان من فيه أَن يخرج قال الشاعر يقول ليَ الحَدَّادُ وهو يقودني إِلى السجن لا تَفْزَعْ فما بك من باس قال ابن سيده كذا الرواية بغير همز باس على أَن بعده ويترك عُذْري وهو أَضحى من الشمس وكان الحكم على هذا أَن يهمز بأْساً لكنه خفف تخفيفاً في قوّة فما بك من بأْس ولو قلبه قلباً حتى يكون كرجل ماش لم يجز مع قوله وهو أَضحى من الشمس لأَنه كان يكون أَحد البيتين بردف وهو أَلف باس والثاني بغير ردف وهذا غير معروف ويقال للسجان حَدَّادٌ لأَنه يمنع من الخروج أَو لأَنه يعالج الحديد من القيود وفي حديث أَبي جهل لما قال في خزَنة النار وهم تسعة عشر ما قال قال له الصحابة تقيس الملايكة بالْحَدَّادين يعني السجانين لأَنهم يمنعون المُحْبَسينَ من الخروج ويجوز أَن يكون أَراد به صُنَّاع الحديد لأَنهم من أَوسخ الصُّنَّاع ثوباً وبدناً وأَما قول الأَعشى يصف الخمر والخَمَّار فَقُمْنَا ولمَّا يَصِحْ ديكُنا إِلى جُونَةٍ عند حَدَّادِها فإِنه سمى الخَمَّار حَدَّاداً وذلك لمنعه إِياها وحفظه لها وإِمساكه لها حتى يُبْدَلَ له ثمنها الذي يرضيه والجونة الخابية وهذا أَمر حَدَدٌ أَي منيع حرام لا يحل ارتكابه وحُدَّ الإِنسانُ مُنِعَ من الظفَر وكلُّ محروم محدودٌ ودون ما سأَلت عنه حَدَدٌ أَي مَنْعٌ ولا حَدَدَ عنه أَي لا مَنْعَ ولا دَفْعَ قال زيد بن عمرو بن نفيل لا تَعْبُدُنّ إِلهاً غيرَ خالقكم وإِن دُعِيتُمْ فقولوا دونَهُ حَدَدُ أَي مَنْعٌ وأَما قوله تعالى فبصرك اليوم حديد قال أَي لسان الميزان ويقال فبصرك اليوم حديد أَي فرأْيك اليوم نافذ وقال شمر يقال للمرأَة الحَدَّادَةُ وحَدَّ الله عنا شر فلان حَدّاً كفه وصرفه قال حِدَادِ دون شرها حِدادِ حداد في معنى حَدَّه وقول معقل بن خويلد الهذلي عُصَيْمٌ وعبدُ الله والمرءُ جابرٌ وحُدِّي حَدادِ شَرَّ أَجنحةِ الرَّخَم أَراد اصرفي عنا شر أَجنحة الرخم يصفه بالضعف واستدفاع شر أَجنحة الرخم على ما هي عليه من الضعف وقيل معناه أَبطئي شيئاً يهزأُ منه وسماه بالجملة والحَدُّ الصرف عن الشيء من الخير والشر والمحدود الممنوع من الخير وغيره وكل مصروف عن خير أَو شر محدود وما لك عن ذلك حَدَدٌ ومَحْتَدٌ أَي مَصْرَفٌ ومَعْدَلٌ أَبو زيد يقال ما لي منه بُدُّ ولا محتد ولا مُلْتَدٌّ أَي ما لي منه بُدٌّ وما أَجد منه مَحتداً ولا مُلْتَدّاً أَي بُدٌّاً الليث والحُدُّ الرجلُ المحدودُ عن الخير ورجل محدود عن الخير مصروف قال الأَزهري المحدود المحروم قال لم أَسمع فيه رجل حُدٌّ لغير الليث وهو مثل قولهم رجل جُدٌّ إِذا كان مجدوداً ويدعى على الرجل فيقال اللهم احْدُدْهُ أَي لا توقفه لإِصابة وفي الأَزهري تقول للرامي اللهم احْدُدْهُ أَي لا توقفه للإِصابة وأَمر حَدَدٌ ممتنع باطل وكذلك دعوة حَدَدٌ وأَمر حَدَدٌ لا يحل أَن يُرْتَكَبَ أَبو عمرو الحُدَّةُ العُصبةُ وقال أَبو زيد تَحَدَّدَ بهم أَي تَحَرَّشَ ودعوةٌ حَدَدٌ أَي باطلة والحِدادُ ثياب المآتم السُّود والحادُّ والمُحِدُّ من النساء التي تترك الزينة والطيب وقال ابن دريد هي المرأَة التي تترك الزينة والطيب بعد زوجها للعدة حَدَّتْ تَحِدُّ وتَحُدُّ حدّاً وحِداداً وهو تَسَلُّبُها على زوجها وأَحَدَّتْ وأَبى الأَصمعي إِلا أَحَدَّتْ تُحِدُّ وهي مُحِدٌّ ولم يَعْرِفْ حَدَّتْ والحِدادُ تركُها ذلك وفي الحديث لا تُحِدُّ المرأَةُ فوق ثلاث ولا تُحِدُّ إِلاَّ على زوج وفي الحديث لا يحل لأَحد أَن يُحِدَّ على ميت أَكثر من ثلاثة أَيام إِلا المرأَة على زوجها فإِنها تُحِدُّ أَربعة أَشهر وعشراً قال أَبو عبيد وإِحدادُ المرأَة على زوجها ترك الزينة وقيل هو إِذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة والخضاب قال أَبو عبيد ونرى أَنه مأْخوذ من المنع لأَنها قد منعت من ذلك ومنه قيل للبوّاب حدّادٌ لأَنه يمنع الناس من الدخول قال الأَصمعي حَدَّ الرجلُ يَحُدُّه إِذا صرفه عن أَمر أَراده ومعنى حَدَّ يَحدُّ أَنه أَخذته عجلة وطَيْشٌ وروي عنه عليه السلام أَنه قال خيار أُمتي أَحِدّاؤها هو جمع حديد كشديد وأَشداء ويقال حَدَّد فلان بلداً أَي قصد حُدودَه قال القطامي مُحدِّدينَ لِبَرْقٍ صابَ مِن خَلَلٍ وبالقُرَيَّةِ رَادُوه بِرَدَّادِ أَي قاصدين ويقال حدداً أَن يكون كذا كقوله معاذ الله قال الكميت حَدَداً أَن يكون سَيْبُك فينا وتَحاً أَو مُجَبَّناً مَمْصُورَا أَي حراماً كما تقول معاذ اللهُ قد حَدَّدَ اللهَ ذلك عنا والحَدَّادُ البحر وقيل نهر بعينه قال إِياس بن الأَرَتِّ ولم يكونُ على الحَدَّادِ يملكه لو يَسْقِ ذا غُلَّةٍ من مائه الجاري وأَبو الحَديدِ رجل من الحرورية قتل امرأَة من الإِجْماعِيين كانت الخوارج قد سبتها فغالوا بها لحسنها فلما رأَى أَبو الحَديد مغالاتهم بها خاف أَن يتفاقم الأَمر بينهم فوثب عليها فقتلها ففي ذلك يقول بعض الحرورية يذكرها أَهابَ المسلمون بها وقالوا على فَرْطِ الهوى هل من مزيد ؟ فزاد أَبو الحَدِيدِ بِنَصْل سيف صقيل الحَدّ فِعْلَ فَتىً رشيد وأُم الحَديدِ امرأَةُ كَهْدَلٍ الراجز وإِياها عنى بقوله قد طَرَدَتْ أُمُّ الحَديدِ كَهْدَلا وابتدر البابَ فكان الأَوّلا شَلَّ السَّعالي الأَبلقَ المُحَجَّلا يا رب لا ترجع إِليها طِفْيَلا وابعث له يا رب عنا شُغَّلا وَسْوَاسَ جِنٍّ أَو سُلالاً مَدْخَلا وجَرَباً قشراً وجوعاً أَطْحَلا طِفْيَلٌ صغير صغره وجعله كالطفل في صورته وضعفه وأَراد طُفَيْلاً فلم يستقم له الشعر فعدل إِلى بناء حِثْيَلٍ وهو يريد ما ذكرنا من التصغير والأَطْحَلُ الذي يأْخذه منه الطحل وهو وجع الطحال وحُدٌّ موضع حكاه ابن الأَعرابي وأَنشد فلو أَنها كانت لِقَاحِي كَثِيرةً لقد نَهِلَتْ من ماء حُدٍّ وَعَلَّت وَحُدَّانُ حَيٌّ من الأَزد وقال ابن دريد الحُدَّانُ حي من الأَزد فَأُدْخِلَ عليه اللامُ الأَزهري حُدَّانُ قبيلة في اليمن وبنو حُدَّان بالضم
( * قوله « وبنو حدان بالضم إلخ » كذا بالأصل والذي في القاموس ككتان وقوله وبنو حداد بطن إلخ كذا به أيضاً والذي في الصحاح وبنو احداد بطن إلخ ) من بني سعد وينو حُدَّاد بطن من طيّ والحُدَّاء قبيلة قال الحرث بن حِلِّزة ليس منا المُضَرّبُون ولا قَي س ولا جَنْدَلٌ ولا الحُدَّاءُ وقيل الحُدَّاء هنا اسم رجل ويحتمل الحُدَّاء أَن يكون فُعَّالاً من حَدَأَ فإِذا كان ذلك فبابه غير هذا ورجل حَدْحَدٌ قصير غليظ

vendredi 18 janvier 2013

النقد الأدبي

النقد الأدبي فنٌّ مِن فنون الأدب، وضرورةٌ من ضروراته، فيه تصحيحٌ للخطأ، وتقويم للمعوَّج، وتبيان مواطن القوَّة والضعف من الأثر الأدبي، ومن أصولٌه ومقوِّماته،اتساع الثقافة والاطِّلاع، وجَودة الذوق، ورهافة الحِسّ، والنزاهة في الحكم

وليس النقد جديدًا، بل هو قديم مُوغِل في القِدَم، وكانت للعرب في الجاهلية أسواقٌ أدبيَّة يَفِد إليها الشعراءُ والأدباء والرواة، وتُنشَد فيها الأشعار، في جوٍّ أدبيٍّ نادر

حُكي أنَّ النابغة الذبياني كانت تُضرَب له قُبَّة من أدم بسوق عكاظ، يجتمع إليه فيها الشعراءُ، فدخل إليه حسَّان بنُ ثابت وعنده الأعشى، وقد أنشدَه شِعره، وأنشدته الخنساء قولها

قَذًى بِعَينَيكَ أَم بِالعَينِ عُوَّارُ -- أَم ذَرَّفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِهَا الدَّارُ


حتى انتهت إلى قولها
وَإِنَّ صَخرًا لَتَأْتَمُّ الهُدَاةُ بِهِ -- كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ
وَإِنَّ صَخرًا لَمَولاَنَا وَسَيِّدُنَا -- وَإِنَّ صَخرًا إِذَا نَشتُو لَنَحَّارُ

 فقال: لولا أنَّ أبا بصير أنشدَني قَبلَك لقلتُ: إنَّكِ أشعر الناس، أنتِ والله أشعرُ مِن كلِّ أُنثى، قالت: والله مِن كلِّ رجل، فقال حسَّان: أنا والله أشعر منكَ ومنها، قال: حيث تقول ماذا؟ قال: حيث أقول

لَنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلمَعنَ بِالضُّحَى -- وَأَسيَافُنَا يَقطُرنَ مِن نَجدَةٍ دَمَا
وَلَدنَا بَنِي العَنقَاءِ وَابنَي مَحَرَّقٍ -- فَأَكرِم بِنَا خَالاً وَأَكرِمِ بِنَا ابنَمَا


فقال: إنك شاعر: لولا أنَّك قلتَ: الجفنات، فقلَّلت العدد، ولو قلت: الجِفان لكان أكثرَ، وقلت: يلمعن في الضحى، ولو قلت: يبرقن بالدُّجى لكان أبلغ في المديح؛ لأنَّ الضيف باللَّيل أكثرُ طروقًا


 وقلتَ: يقطرن من نجدة دمًا، فدلَّلت على قلَّة القتل، ولو قلت: يجرين لكان أكثرَ لانصبابِ الدم، وفخرتَ بما ولدت، ولم تفخر بمن وَلَدَك، فقام حسَّان منكسرًا منقطعًا

السخاء

ويُظهِرُ عَيبَ المرءِ في الناس بخلُه -- و يَستُرهُ عنهم جميعاً سَخاؤهُ
تَغطَّ بأثوابِ السخاءِ فإنَني -- أرى كل عَيبٍ و السخاءُ غِطاؤهُ

الحُمى

قَليلٌ عائِدي سَقِمٌ فُؤادي -- كَثيرٌ حاسِدي صَعبٌ مَرامي
وَزائِرَتي كَأَنَّ بِها حَياءً -- فَلَيسَ تَزورُ إِلّا في الظَلامِ
يَضيقُ الجِلدُ عَن نَفسي وَعَنها -- فَتوسِعُهُ بِأَنواعِ السِقامِ  
أُراقِبُ وَقتَها مِن غَيرِ شَوقٍ -- مُراقَبَةَ المَشوقِ المُستَهامِ  
وَيَصدُقُ وَعدُها وَالصِدقُ شَرٌّ -- إِذا أَلقاكَ في الكُرَبِ العِظامِ  
أَبِنتَ الدَهرِ عِندي كُلُّ بِنتٍ -- فَكَيفَ وَصَلتِ أَنتِ مِنَ الزِحامِ
أبو الطيب المتنبي

القدر يشكو

صغيرٌ يطلبُ الكِبرا .. وشيخٌ ود لو صَغُرا
وخالٍ يشتهي عملا ً.. وذو عملٍ به ضَجِرا
ورب المال في تعب .. وفي تعب من افتقرا
وذو الأولاد مهمومٌ .. وطالبهم قد انفطرا
ومن فقد الجمال شكي .. وقد يشكو الذي بُهِِِِرا
ويشقى المرء منهزما .. ولا يرتاح منتصرا
ويبغى المجد في لهفٍ .. فإن يظفر به فترا
شُكاةٌ مالها حَكَمٌ .. سوى الخصمين إن حضرا
فهل حاروا مع الأقدار .. أم هم حيروا القدرا

عباس محمود العقاد


mercredi 16 janvier 2013

المـــرء يُعـــرف فـــي الأنـــام بفعلـــه


الــمَــرءُ يُــعـــرَفُ بـِالأنـــامِ بــِـفـِعــلِـــهِ *** وَ خَـصائِـلُ الـمَـرءِ الكريـمِ كأصـلِـهِ
إصـــبٍـرْ عـلى حُــلـــوٍ الـزِّمــانِ وَمُـــرِّهِ *** وَاعــلَـمْ بــَـأنَّ اللــّـهَ بــالِــغُ أمـــرِه
لا تـَــسـتـَـغِـبْ فــــتُـســتــغابُ وَربــَّــمـا *** مَــن قـالَ شـَـيـئاً قــيــلَ فـيـهِ بـمـثـلِـهِ
و تــَجــنَّـبِ الـفَـحـشـاءَ لا تَـنـطِــق بـِها *** مــا دُمــتَ في جِـدِّ الـكـَـلامِ وهـــزلـِـهِ
و إذا الصَّــديـقُ أسـى عـليـكَ بِـجـهـلِـهِ *** فـاصـفَـح لأجـــلِ الــوِدِّ ليــسَ لأجـلِــهِ
كَــمْ عالِـــمٍ مُـتـَفـَـضِّــلٍ قــَــد سَـــبَّـــــهُ *** مَـن لا يُــســاوي غِـــرزَةً فـي نـَعــلِــهِ
الـبـّحـرُ تــَعـلـــو فَــوقَــهُ جـيـفُ الـفَــلا *** و الـــدّرُّ مَـطـمــورٌ بأســفَــلِ رمـلـِـــهِ
وأعـجــبُ لـعُــصـفـورٍ يـُزاحِـمُ باشِــقـاً *** إلاّ لِـطـيـشَــــتِـه و خِــفـّـــةِ عَــــقـــلـِـهِ
إيـّــاك تـَجـــني سُـكَّــراً مِــن حَـنــظــل ٍ *** فـالـشَّـيءُ يـَرجـِـعُ بـالـمــذاق لأصــلهِ
في الجَـوِّ مكتوب ٌ على صحفِ الهـوى *** مــن يـعـمَـلِ المعـروفَ يُـجـزى بمثـلهِ
علي بن أبي طالب

mardi 15 janvier 2013

سوءُ الظَّن

يَرى بعضُ الناس أنَّ سوءَ الظنِّ هو نَوعٌ مِن الفطنة أو ضربٌ من النباهة، وإنما هو غايةٌ في ضياع المروءة والشؤم.
إن سوء ظن المرء بإخوانه من غير برهان من أسباب التدابر والتقاطع والتباغض بين الناس. فكم انقطعت حبال المودة بين الإخوان، وملأت الكراهية قلوب بعضهم على بعض بسبب سوء الظن . وكم تعدى أناس على الآخرين وآذوهم ورموهم بما هم منه برآء بسبب سوء الظن . وكم أُتهم بريء في شرفه وذمته وأمانته بسبب سوء الظن ...
يعرف ابن كثير، سوء الظن على أنه التهمة والتخوّف في غير محلّه، وعدم التحقيق في الأمور والحكم على الشئ بدون دليل.
فالمرءُ السييء هو مَن يظن بالناس السوء، ويبحثُ عَن عُيوبِهم ويَراهُم مِن حيثُ يَرى نَفسَه.
وأما السَّويُّ، فإِنه يَنظرُ بِعَينٍ صالحة ونَفسٍ طيبة، ويَبحثُ للناس عن الأعذار ويظن بهم الخير.
يقول المولى عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )
[الحجرات : 12]
وحكى أكثر العلماء: أنَّ الظن القبيح بِمَن ظاهِرُهُ الخير لا يجوز! وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح. ( و القبيح هو علامات الشر لا لبس فيها )
وقيل " لا تَظُنّ بكلمة خرجت مِن أخيك شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً". أي طالما أن هنالك تفسيرا واحدا حسنا (إيجابيا) على الأقل فيجدر أن تأخذ به.
فالعاقل يحسنُ الظن بإخوانه، وينفرد بغمومه وأحزانه؛كما أن الجاهل يُسيءُ الظن بإخوانه، ولا يفكر في في جناياته وأشجانه .

dimanche 13 janvier 2013

كم مضى مِن عُمرك

قال رجل لهشام القرطبي  - سائلاً إياه عَن عمره -: كَم تَعُد ؟ قال : مِن واحدٍ إلى ألف وأكثر.
قال : لَم أُرِدْ هذا! كم تَعُدُّ مِن السِن؟ قال : اثنتين و ثلاثين سِنّاً. سِتَةَ عَشَرَ فوق و ستة عشر في الأسفل.
قال كم لك مِن السنين؟ قال:  ليس لي منها شيء، السُنونُ كلها لله،
قال : يا هذا، ما سِنُّك؟ قال : عَظم!
قال : ابنُ كَم أنت؟ قال : ابن اثنين، رجلٌ و امرأة.
قال له : ليس هذا ما أردت! كم أتى عليك؟ قال له : لو أتى عليَّ شيءٌ لَقتلني!
قال : فما أقول؟ قال : تقول : كم مضى مِن عُمرك؟